للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى بِهِ الْآنَ فَيَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا، فَلَوْ قَالَ: فَهُمَا عَدْلَانِ فِيمَا شَهِدَا بِهِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ فَهُمَا صَادِقَانِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ أَوْ صَادِقٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فَقَالَ: صَالَحَنِي عَمَّا كَانَ عَلَيَّ فَهُوَ إقْرَارٌ بِمُبْهَمٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَيَانِهِ، وَيُفَارِقُ كَانَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ جَوَابًا عَنْ شَيْءٍ كَانَ بِاللَّغْوِ أَشْبَهَ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَأَنْكَرَ فَقَالَ: اشْتَرِ هَذَا مِنِّي بِالْأَلْفِ الَّذِي ادَّعَيْته كَانَ إقْرَارًا بِهِ كَبِعْنِي بِخِلَافِ صَالِحْنِي عَنْهُ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الصُّلْحِ كَوْنُهُ بَيْعًا حَتَّى يَكُونَ ثَمَّ ثَمَنٌ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَاهُ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ وَمَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِانْتِفَاءِ صَرَاحَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ اشْتَرَيْتهَا أَوْ مَلَكْتُهَا مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك كَانَ إقْرَارًا لِتَضَمُّنِهِ ذَلِكَ الْمِلْكَ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا، وَلَوْ طَالَبَهُ بِوَفَاءِ شَيْءٍ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(وَلَوْ) (قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِ (أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ) (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) لِصِدْقِ الْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ أَوْ بِوَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى وَلِاحْتِمَالِ الثَّانِي لِلْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيه أَنَّهُ إقْرَارٌ مَعَ احْتِمَالِ الْوَعْدِ لِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ، وَمَا شَكَّكَ بِهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ فَرْضِ كَوْنِ الْفَرْقِ مُبَيِّنًا لَكِنَّهُ غَيْرُ نَافٍ لِلِاحْتِمَالِ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْيَقِينِ، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيه أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَنَا أُقِرُّ بِهِ.

(وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ) أَوْ هَلْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (لِي عَلَيْكَ كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ) لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ (وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ) لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ تَصْدِيقٌ لِلنَّفْيِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهَا رَدٌّ لَهُ وَنَفْيُ النَّفْي إثْبَاتٌ، وَلِهَذَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَى نِسْبَتِهِمَا لِلصِّدْقِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِمَا (قَوْلُهُ: فِيمَا شَهِدَا بِهِ) فَإِنْ أَسْقَطَ فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا اهـ حَجّ.

قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ: إذَا قَالَ زَيْدٌ إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ اهـ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اُتُّهِمَ بِمَتَاعِ إنْسَانٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَخْصٌ بِأَنَّهُ رَأَى بَعْضَ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنْ حَلَفَ هَذَا الشَّاهِدُ أَنَّهُ رَأَى عِنْدِي هَذَا الْمَشْهُودَ بِهِ فَهُوَ صَادِقٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الشَّاهِدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْإِخْبَارِ الْخَالَيْ عَنْ الْيَمِينِ فَمَعَ الْإِخْبَارِ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْيَمِينِ يَكُونُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَيَانِهِ) قَضِيَّةُ كَوْنِهِ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ أَنْ يَقْبَلَ تَفْسِيرَهُ بِمَا لَا يَتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَفِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَوِّلِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَالٍ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ بِمَالٍ بَيْعٌ وَمَا لَا يَتَمَوَّلُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَالٍ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَمَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى) أَيْ تَطْلُبُ وَقَوْلُهُ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ بِالْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: مُبِينًا) أَيْ وَاضِحًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَعَمْ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجِ: وَلَوْ وَقَعَا: أَيْ نَعَمْ وَبَلَى فِي جَوَابِ الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ نَحْوُ لَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا مَعَ بَلَى بِخِلَافِ نَعَمْ بِرّ اهـ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ نَعَمْ لِإِثْبَاتِ النَّفْيِ وَتَقْرِيرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، وَبَلَى لِرَدِّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَك عَلَيَّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ النَّفْيَ فَقَدْ أَثْبَتَ نَقِيضَهُ وَهُوَ مَا نَفَاهُ، وَلَعَلَّ الْإِسْنَوِيَّ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ مَا لَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ، وَفِي أَلَيْسَ قَدْ يَدَّعِي وُجُودَ عُرْفٍ يُخَالِفُ اللُّغَةِ، وَلَعَلَّهُ عَدِمَ تَفْرِقَةَ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ فِي أَلَيْسَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَلَى) وَقَدْ نَظَّمَ هَذَا الْمَعْنَى شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ فَقَالَ:

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>