للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: مَا اقْتَرَضْت غَيْرَهُ كَانَ إقْرَارًا بِهِ، فَفِيهِ ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّا نَمْنَعُ التَّأْيِيدَ، إذْ هَذَا فِي قُوَّةِ مَا اقْتَرَضْت إلَّا هُوَ، وَمَفْهُومُ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَهِيَ ثُبُوتُ اقْتِرَاضِهِ أَعْلَى الْمَفَاهِيمِ، بَلْ ذَهَبَ جَمْعٌ إلَى صَرَاحَتِهِ فَلَا يُقَاسُ بِهِ مَفْهُومُ الظَّرْفِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُجِّيَّتِهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: إنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا الْإِقْرَارُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْعَمَلِ فِيهِ بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي أَلْفَاظٍ اطَّرَدَ الْعُرْفُ فِي اسْتِعْمَالِهَا مُرَادًا مِنْهَا ذَلِكَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِي الْعَمَلِ بِهِ، وَكَلَامُنَا فِي مَفْهُومِ لَفْظٍ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ فِي قَصْدِهِ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحَدَ تَيْنِكَ الصِّيغَتَيْنِ (فَقَالَ) مَعَ خَمْسِينَ أَوْ (زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك) أَوْ هُوَ صِحَاحٌ أَوْ مُكَسَّرَةٌ (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ (وَلَوْ قَالَ) فِي جَوَابِ: لِي عَلَيْك مِائَةٌ أَوْ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك مِائَةٌ (بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ إي (أَوْ أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته) أَوْ اقْضِي غَدًا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِضَمِيرٍ وَقِيَاسُهُ إنْ قَضَيْت بِدُونِ ضَمِيرٍ كَذَلِكَ (أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ) أَوْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِي بِهِ (فَهُوَ إقْرَارٌ) لِأَنَّ السِّتَّةَ الْأُوَلَ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ.

نَعَمْ لَوْ اقْتَرَنَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ كَصَدَقْتَ، وَنَحْوُهُ قَرِينَةُ اسْتِهْزَاءٍ كَإِيرَادِ كَلَامِهِ بِنَحْوِ هَزِّ رَأْسٍ وَضَحِكٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُقِرًّا، وَلِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ اعْتِرَافٌ بِالْأَصْلِ، وَلَوْ حُذِفَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّعْوَى وَهُوَ لَغْوٌ، وَكَذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ اسْتَوْفَى مِنِّي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، وَهِيَ حِيلَةٌ لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَبْرَأْتَنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَلِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ عَائِدٌ لِلْأَلْفِ الْمُدَّعَى بِهَا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لَك كَمَا أَجَابَ بِهِ السُّبْكِيُّ عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُقِرٌّ لِغَيْرِهِ عِنْدَ حَذْفِ لَك، وَلَوْ سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ: عِنْدِي كَانَ إقْرَارًا، قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شَهِدَا عَلَيَّ بِكَذَا صَدَّقْتُهُمَا أَوْ قَالَا ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدِي أَوْ صَدَّقْتهمَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِانْتِفَاءِ الْجَزْمِ وَلِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يُعَلَّقُ، بِخِلَافِ فَهُمَا صَادِقَانِ لِأَنَّهُمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَيْنِكَ) هُمَا قَوْلُهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك) الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ هَذِهِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا إلَخْ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي نَعَمْ، بَلْ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابٍ لِي عَلَيْك مِائَةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ (قَوْلُهُ: مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ) قَدْ يُقَالُ فِي نَعَمْ وَمَا بَعْدَهَا نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَتَصْدِيقُ النَّفْيِ لَيْسَ إقْرَارًا، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ) أَيْ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ وَقَوْلُهُ وَيُلْحَقُ بِهِ: أَيْ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا وَقَوْلُهُ الْمُدَّعَى بِهَا الْأَوْلَى بِهِ لِأَنَّ الْأَلْفَ مُذَكَّرٌ وَقَوْلُهُ وَكَذَا أَقَرَّ: أَيْ لَيْسَ إقْرَارًا (قَوْلُهُ: فَهُمَا صَادِقَانِ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجِ بَعْدِ مِثْلِ مَا ذُكِرَ: وَيَنْبَغِي وِفَاقًا ل م ر أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلْيُنْظَرْ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ شَهِدَا عَلَيَّ بِكَذَا صَدَقَتُهُمَا وَبَيْنَ إنْ شَهِدَا عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ أَنَّ الْجَوَابَ فِي قَوْلِهِ: فَهُمَا صَادِقَانِ اسْمِيَّةٌ مَدْلُولُهَا الثُّبُوتُ وَهُوَ لَا يُعَلِّقُ فَيُؤَوَّلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ شَهِدَا عَلَيَّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ وَمَتَى كَانَ صَادِقَيْنِ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ بِاعْتِرَافِهِ بِالْحَقِّ، بِخِلَافِ صَدَّقْتهمَا فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ إنْ شَهِدَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

عَلَى نَفْسِهِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ) أَيْ: فِي شَأْنِ أَلْفَاظٍ ذَكَرُوا أَنَّهَا إقْرَارٌ مِمَّا سَيَأْتِي وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي أَلْفَاظٍ اطَّرَدَ الْعُرْفُ) إلَخْ أَيْ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَفْهُومَ الِاصْطِلَاحِيَّ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِحَيْثُ صَارَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى، لَكِنْ قَوْلُهُ: وَكَلَامُنَا فِي مَفْهُومِ لَفْظِ إلَخْ قَدْ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ.

(قَوْلُهُ: فِي جَوَابِ لِي عَلَيْكَ مِائَةٌ) الْأَوْلَى أَلْفٌ لِأَنَّهَا الَّتِي فِي الْمَتْنِ وَلِمُرَاعَاةِ تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِضَمِيرٍ) أَيْ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ فِي جَوَابِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْإِسْنَوِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>