بِإِفْرَادِهَا بِبَابٍ مُسْتَقِلٍّ وَجَعْلُهَا مِنْ مَبَاحِثِ الْجِنَايَاتِ قَاضٍ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ أَفَادَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ أَنَّهُ حَقِيقَةً وَإِثْمًا وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَلَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِالْحَيَاءِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْغَصْبِ، فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا فِي الْمَلَا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لِبَاعِثِ الْحَيَاءِ فَقَطْ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَهُوَ كَبِيرَةٌ، قَالَا نَقْلًا عَنْ الْهَرَوِيِّ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ مَعَ الِاسْتِحْلَالِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كُفْرٌ وَمَعَ عَدَمِهِ فِسْقٌ، وَلَعَلَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَصَرِيحُ مَذْهَبِنَا أَنَّ اسْتِحْلَالَ مَا تَحْرِيمُهُ ضَرُورِيٌّ كُفْرٌ وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ فَعَلَهُ فَتَفَطَّنْ لَهُ
(فَلَوْ) (رَكِبَ دَابَّةً) لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا حَاضِرًا وَسَيَّرَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا مَتَاعًا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ بِحُضُورِهِ فَسَيَّرَهَا الْمَالِكُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَتَاعَ وَلَا يَضْمَنُ مَالِكُهُ الدَّابَّةَ إذْ لَا اسْتِيلَاءَ مِنْهُ عَلَيْهَا (أَوْ جَلَسَ) أَوْ تَحَامَلَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: قَاضٍ بِخِلَافِهِ) أَيْ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي تَخَلُّفَ أَحْكَامِ الْغَصْبِ عَنْهَا كَالضَّمَانِ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَالْأُجْرَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ حَيْثُ ظَنَّهُ مَالَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الِاسْتِيلَاءُ إلَخْ) زَادَ فِي الْعُبَابِ وَلَا إثْمًا وَلَا ضَمَانًا اهـ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى اخْتِصَاصِ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ اخْتِصَاصَهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْ تَحَامَلَ بِرِجْلِهِ زَادَ حَجّ: أَيْ وَإِنْ اعْتَمَدَ مَعَهَا عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ حُكْمُ الْغَصْبِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طَلَبٌ مِنْ الْآخِذِ فَالْمَدَارُ عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ دَفَعَهُ حَيَاءً لَا مُرُوءَةً أَوْ رَغْبَةً فِي خَيْرٍ، وَمِنْهُ مَا لَوْ جَلَسَ عِنْدَ قَوْمٍ يَأْكُلُونَ مَثَلًا وَسَأَلُوهُ فِي أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ حَيَائِهِمْ مِنْ جُلُوسِهِ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَبِيرَةٌ) إطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِلْمَالِ وَإِنْ قَلَّ وَلِلِاخْتِصَاصَاتِ وَمَا لَوْ أَقَامَ إنْسَانًا مِنْ نَحْوِ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ فَيَكُونُ كَبِيرَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَصْبِ نَحْوِ حَبَّةِ الْبُرِّ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهِ أَكْثَرُ وَالْإِيذَاءُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ أَشَدُّ (قَوْلُهُ: وَمَعَ عَدَمِهِ) أَيْ الِاسْتِحْلَالِ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا التَّفْصِيلَ) أَيْ وَلَعَلَّ نِسْبَةَ هَذَا التَّفْصِيلِ لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ، وَإِلَّا فَصَرِيحُ الْمَذْهَبِ يُفِيدُ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِعَزْوِهِ لِلْمَاوَرْدِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ وَعَلِمَ بِحُرْمَتِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ بِحُضُورِهِ) أَيْ أَوْ سَاقَهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِحَشِيشٍ مَثَلًا فِي يَدِهِ فَتَبِعَتْهُ (قَوْلُهُ أَوْ تَحَامَلَ بِرِجْلِهِ) وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْمَشْيِ عَلَى مَا يُفْرَشُ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مِنْ الْفَرَاوِيُّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِمَا
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ أَنَّهُ حَقِيقَةً وَإِثْمًا وَضَمَانًا إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْعَطْفِ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَحَقِيقَتُهُ ضَمَانًا وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ بِلَا تَعَدٍّ كَلُبْسِ مُودِعٍ غَلَطًا وَإِثْمًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مُحْتَرَمٍ وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ عُدْوَانًا انْتَهَتْ. فَجَعَلَ الْكُلَّ حَقَائِقَ لِلْغَصْبِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَاتٍ وَزَادَ الشِّهَابُ سم عَلَيْهِ: وَحَقِيقَةً لَا ضَمَانًا وَلَا إثْمًا بَلْ وُجُوبُ رَدٍّ فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ بِلَا تَعَدٍّ عَلَى مُحْتَرَمٍ غَيْرِ مَالٍ كَأَخْذِ سِرْجِينِ الْغَيْرِ يَظُنُّهُ لَهُ، قَالَ: وَبَقِيَ حَقِيقَتُهُ الْأَعَمُّ مِنْ الضَّمَانِ وَالْإِثْمِ وَالرَّدِّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مُحْتَرَمِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ مُطْلَقًا اهـ.
وَهَذَا الْأَخِيرُ قَدْ يَشْمَلُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى زَوْجَةِ الْغَيْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ) صَرِيحُ السِّيَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الضَّمَانِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَسَّمَ الْغَصْبُ فَتَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: وَسَيَّرَهَا) أَيْ الْمَالِكُ فَهُوَ مَدْخُولُ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا مَتَاعًا إلَخْ) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ وَضَعَهُ لِيَقْضِيَ حَاجَةً مَثَلًا ثُمَّ يَأْخُذَهُ، إذْ يَبْعُدُ أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ لَوْ كَانَ قَاصِدًا نَحْوَ دَارِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَى الدَّابَّةِ وَدَلَّتْ الْحَالُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ فِي إيصَالِهِ إلَى مَحَلِّهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ فَلْيُرَاجَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute