للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مُسْلِمًا لِأَنَّ ذَلِكَ نُصْرَةٌ لِلدِّينِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى عَدَمِ مُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ يُرَدُّ بِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ لِذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اسْتِهْزَائِهِ بِالدِّينِ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ الْمُمَيِّزُ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ.

(وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ كُلِّ مَنْفَعَةٍ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا (بِالتَّفْوِيتِ) بِالِاسْتِعْمَالِ (وَالْفَوَاتُ) وَهُوَ ضَيَاعُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ كَإِغْلَاقِ الدَّارِ (فِي يَدٍ عَادِيَةٍ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ نَقْصٍ أَمْ لَا كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْمُدَّةِ ضَمِنَ كُلَّ مُدَّةٍ بِمَا يُقَابِلُهَا، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا أَقْصَى لِانْفِصَالِ وَاجِبِ كُلِّ مُدَّةٍ بِاسْتِقْرَارِهِ فِي الذِّمَّةِ عَمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اسْتِوَاءَهُمَا فِي اعْتِبَارِ الْأَقْصَى، فَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ وَجَبَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهَا، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ، أَمَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ أَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لَهَا كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَكَلْبٍ وَآلَةِ لَهْوٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَلَوْ اصْطَادَ الْغَاصِبُ بِهِ فَهُوَ لَهُ كَمَا لَوْ اصْطَادَ بِشَبَكَةٍ أَوْ قَوْسٍ غَصَبَهُمَا وَنَصَبَهُمَا لِأَنَّهُ آلَةٌ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ رَقِيقًا وَاصْطَادَ لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ صَيْدَهُ إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَأُجْرَتَهُ أَيْضًا إذْ رُبَّمَا اسْتَعْمَلَهُ مَالِكُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَتْلَفَ وَلَدَ دَابَّةٍ تُحْلَبُ فَانْقَطَعَ لَبَنُهَا بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ مَعَ قِيمَتِهِ أَرْشُ نَقْصِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَلُوبًا وَقِيمَتِهَا وَلَا لَبَنَ فِيهَا، وَلَوْ غَصَبَ بُرًّا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَطَحَنَهُ فَصَارَتْ عِشْرِينَ فَخَبَزَهُ فَصَارَتْ خَمْسِينَ فَأَتْلَفَهُ لَزِمَهُ ثَمَانُونَ، وَلَا يُجْبَرُ النَّقْصُ الْحَاصِلُ بِالطَّحْنِ بِزِيَادَةِ الْخُبْزِ لِأَنَّ صِفَةَ الطَّحْنِ غَيْرُ صِفَةِ الْخُبْزِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ ذَا حِرْفَةٍ فَنَسِيَهَا ثُمَّ عَلَّمَهُ حِرْفَةً أُخْرَى.

(وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ) وَهُوَ الْفَرْجُ (إلَّا بِتَفْوِيتٍ) بِالْوَطْءِ فَيَضْمَنُهُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ لَا بِفَوَاتٍ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا صَحَّ تَزْوِيجُهُ لِأَمَتِهِ الْمَغْصُوبَةِ مُطْلَقًا لَا إيجَارُهَا إنْ عَجَزَ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمِنْهَا الْوَعْظُ كَقَوْلِهِ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَعُقُوبَتَهُ شَدِيدَةٌ. وَمِنْهَا السَّبُّ وَالتَّوْبِيخُ وَالتَّهْدِيدُ كَقَوْلِهِ يَا فَاسِقُ يَا مَنْ لَا يَخْشَى اللَّهَ لَئِنْ لَمْ تُقْلِعْ عَنْ الزِّنَا لَأَرْمِيَنَّكَ بِهَذَا السَّهْمِ.

وَمِنْهَا الْفِعْلُ كَرَمْيِهِ بِالسَّهْمِ مَنْ أَمْسَكَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لِيَزْنِيَ بِهَا وَكَكَسْرِهِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَإِرَاقَتِهِ أَوَانِي الْخُمُورِ. وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الْأَرْبَعَةُ لِلْمُسْلِمِ وَلَيْسَ لِلذِّمِّيِّ مِنْهَا سِوَى الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِمَا وِلَايَةً وَتَسَلُّطًا لَا يَلِيقَانِ بِالْكَافِرِ، وَأَمَّا الْأُولَيَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ بَلْ هُمَا مُجَرَّدُ فِعْلِ خَيْرٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ فِي حِفْظِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ حَتَّى بِالْقَوْلِ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ، وَكَذَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ نُصْرَةٌ لِلدِّينِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْبَيَانِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ قِيلَ فَلْيَجُزْ لِلْكَافِرِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا رَآهُ يَزْنِي. قُلْنَا: إنْ مَنَعَ الْمُسْلِمَ بِفِعْلِهِ فَهُوَ تَسْلِيطٌ عَلَيْهِ فَنَمْنَعُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيطٌ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، وَأَمَّا مُجَرَّدُ قَوْلِهِ لَا تَزْنِ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الزِّنَا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إدْلَالٌ لِلْمُسْلِمِ، إلَى أَنْ قَالَ: بَلْ يَقُولُ إنَّ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَقُلْ لِلْمُسْلِمِ لَا تَزْنِ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إنْ رَأَيْنَا خِطَابَ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ) أَيْ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ لَا فِي مِقْدَارِهِ إذْ الصَّبِيُّ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّافِلَةِ.

(قَوْلُهُ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اسْتِوَاءَهُمَا) أَيْ الْأُجْرَةِ وَالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: تَحْلُبُ) بِضَمِّ اللَّامِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مَعَ قِيمَتِهِ) أَيْ الْوَلَدِ

(قَوْلُهُ إلَّا بِتَفْوِيتٍ بِالْوَطْءِ) أَيْ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ بِخِلَافِ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ (قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ الْمَغْصُوبَةِ مُطْلَقًا)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ كَحَبٍّ وَلَعَلَّهَا أَوْلَى لِإِيهَامِ هَذِهِ أَنَّ عَدَمَ الْأُجْرَةِ لِحَقَارَةِ الْحَبَّةِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ عَدَلَ عَنْهَا لِقَوْلِ الشِّهَابِ سم: وَمَا الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ الْحَبِّ لِتَزْيِينِ نَحْوِ الْحَانُوتِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ ثَمَانُونَ) أَيْ: ثَلَاثُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>