للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ وُجُوبِ إبْطَالِهَا عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ، أَمَّا آلَةُ لَهْوٍ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ كَدُفٍّ فَيَحْرُمُ كَسْرُهَا وَيَجِبُ أَرْشُهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ) لِإِمْكَانِ إزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ (بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ) لِزَوَالِ اسْمِهَا وَهَيْئَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ بِذَلِكَ، فَلَا تَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْتَارِ مَعَ بَقَاءِ الْجِلْدِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ لَهَا مُنْفَصِلَةٌ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ تَفْصِيلُ الْجَمِيعِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِعْمَالِ (فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ) فِي الْإِنْكَارِ (لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ) مَنْ يُرِيدُ إبْطَالَهُ لِقُوَّتِهِ (أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) وَلَوْ بِإِحْرَاقٍ تَعَيَّنَ طَرِيقًا وَإِلَّا فَبِكَسْرٍ، فَإِنْ أَحْرَقَهَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ غَرِمَ قِيمَتَهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِتَمَوُّلِ رُضَاضِهَا وَاحْتِرَامِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ مَعَ إمْكَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ وَقِيمَتِهَا مُتَهَيِّئَةً إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَيَجْرِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْإِبْطَالِ كَيْفَ تَيَسَّرَ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ فِيمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ صَبِّ الْخَمْرِ لِضِيقِ رُءُوسِ أَوَانِيهَا مَعَ خَشْيَةِ لُحُوقِ الْفَسَقَةِ لَهُ وَمَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ يُمْضِي فِي ذَلِكَ زَمَانَهُ وَتَتَعَطَّلُ أَشْغَالُهُ: أَيْ بِحَيْثُ تَمْضِي مُدَّةٌ فِيهِ يُقَابَلُ عَمَلُهُ فِيهَا بِأُجْرَةٍ غَيْرِ تَافِهَةٍ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ ظُرُوفِهَا مُطْلَقًا زَجْرًا وَتَأْدِيبًا لَا الْآحَادَ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ فِي أَنَّهُ تُمْكِنُ بِدُونِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا مَا فَعَلَهُ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ فِيمَا يَظْهَرُ، بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ بِحَقٍّ وَقَالَتْ بَلْ تَعَدِّيًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَبَاحَ لَهُ الضَّرْبَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِيهِ فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ فِيهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَأْتِي هُنَا، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمَالِكِ لَا الْمُتْلِفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْبَغَوِيّ لَوْ أَرَاقَهُ ثُمَّ قَالَ كَانَ خَمْرًا وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ عَصِيرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَصْلِ الْمَالِيَّةِ يُرَدُّ بِظُهُورِ الْفَرْقِ، لِأَنَّا قَدْ تَحَقَّقْنَا الْمَالِيَّةَ هُنَا وَاخْتُلِفَ فِي زَوَالِهَا فَصُدِّقَ مُدَّعِي بَقَائِهَا لِوُجُودِ الْأَصْلِ مَعَهُ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى إهْدَارِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الَّتِي الْأَصْلُ عَدَمُ ضَمَانِهَا، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُضَمَّنِ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ ضَمَانِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّهُ يَجِبُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَيَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ وَلَوْ أُنْثَى وَقِنًّا وَفَاسِقًا. نَعَمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَتُهُ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُمْدَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ: مِنْ شُرُوطِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: كَدُفٍّ) أَيْ طَارٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الْآحَادِ، أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. أَقُولُ: وَمِثْلُ الْإِمَامِ أَرْبَابُ الْوِلَايَاتِ كَالْقُضَاةِ وَنُوَّابِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ ظُرُوفِهَا مُطْلَقًا) أَيْ تَوَقَّفَتْ إرَاقَةُ الْخَمْرِ عَلَيْهَا أَوَّلًا (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) الِاحْتِيَاجُ لِلْيَمِينِ ظَاهِرٌ إنْ تَكَرَّرَ الضَّرْبُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ عُزِّرَ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لِلْيَمِينِ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا يُعَزَّرُ. وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَتُهُ تَوَجُّهُ اللُّوَّمِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْهَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ، هَذَا. وَمَحَلُّ تَصْدِيقِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْزِيرِ وَنَحْوِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُ فِيهِ) قَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِيمَا يَأْتِي لِمَا صَرَّحَ بِهِ ثَمَّ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّعْزِيرِ لَا فِي سُقُوطِ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَمَا هُنَا شَبِيهٌ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لِأَدَائِهِ إلَى سُقُوطِ الضَّمَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَعْلِيلَ قَبُولِ قَوْلِ الْمُتْلِفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَتُهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِقَوْلٍ أَوْ وَعْظٍ نَحْوُ لَا تَزْنِ وَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُوجِبُ الْعُقُوبَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ اسْتِهْزَاءٌ بِالدِّينِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، لَكِنْ فِي كَلَامِ سم مَا يَأْتِي جَوَازُهُ بِالْقَوْلِ، وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ ذِمِّيٌّ نَهَى مُسْلِمًا عَنْ مُنْكَرٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ مَرَاتِبُ مِنْهَا الْقَوْلُ كَقَوْلِهِ لَا تَزْنِ مَثَلًا.

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ لِيُلَائِمَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>