الظُّلْمُ حَقَّهُ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِجِلْدِهَا لَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا بَاقِيَةٌ وَفِي مَسْأَلَةِ جِلْدِ الشَّاةِ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، وَمَعْنَى مَلَكَ الْغَاصِبُ لِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُرَاعًى بِمَعْنَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ غُرْمِ الْقِيمَةِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَدَثَ النَّقْصُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ حَدَثَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ، أَمَّا مَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ أَرْشُهُ كَمَا مَرَّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى خَلْطِ مِثْلِيٍّ بِمِثْلِهِ.
(وَلَوْ) (جَنَى) الرَّقِيقُ (الْمَغْصُوبُ) فِي يَدِ غَاصِبِهِ (فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) ابْتِدَاءً أَوْ لِلْعَفْوِ عَنْهُ (لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) إذْ هُوَ نَقْصٌ حَادِثٌ فِي يَدِهِ فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ، لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ أَوْ الْمَالَ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ مَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَهُوَ كَوْنُهُ جَانِيًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ) (تَلِفَ) الْجَانِي (فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ أَقْصَى الْقِيَمِ) مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (وَ) لَهُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ) مِنْ الْغَاصِبِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، إذْ حَقُّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا) أَيْ فِيمَا لَوْ حَدَثَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ إلَخْ (قَوْلُهُ قَبْلَ غُرْمِ الْقِيمَةِ) أَيْ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيمَةِ وَأَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَهُ وَيَدْفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لِلْمَالِكِ، فَإِنْ فُقِدَ الْقَاضِي احْتَمَلَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمَالِكُ بَيْعَهُ بِحَضْرَةِ الْغَاصِبِ أَوْ الْغَاصِبُ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ وَيَأْخُذَ الْمَالِكُ قَدْرَ الْقِيمَةِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْغَاصِبِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ التَّلَفِ، فَالزِّيَادَةُ إنَّمَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِيمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَثَرًا مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالِكُ تَوَلَّى الْغَاصِبُ بَيْعَهُ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ لِحُضُورِ الْمَالِكِ.
وَبَقِيَ مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى بِالْوَجْبَةِ وَمِنْ الْوَلَائِمِ الَّتِي تُفْعَلُ بِمِصْرِنَا مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ الْقَاصِرِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْغَصْبِ فَهَلْ بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ يَصِيرُ كَالتَّالِفِ وَإِنْ لَمْ يَمْضُغْهُ أَوْ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِالْمَضْغِ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَلْعُهُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ، فَهَلْ يَلْفِظُهُ مِنْ فِيهِ أَوْ يَبْلَعُهُ وَتَثْبُتُ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَلْفِظُهُ وَيَرُدُّهُ لِصَاحِبِهِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْبَلْعُ قَبْلَ غُرْمِهِ الْقِيمَةَ، فَإِنْ لَمْ يَغْرَمْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مِنْ فِيهِ وَرَدُّهُ لِمَالِكِهِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْثِيلِ) أَيْ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ جَعْلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَدَثَ فِي يَدِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَاصِبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ مَنْ أُثْبِتَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ بَاشَرَ الْفِعْلَ الَّذِي يَسْرِي إلَى التَّلَفِ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ بِيَدِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَمْ يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ نَظِيرَ مَا مَرَّ لِأَنَّ النَّقْصَ هُنَا حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَارَ الْمَغْصُوبُ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ صَارَ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ بِوَاسِطَةِ وُقُوعِهِ فِي قِدْرٍ عَلَى النَّارِ فِيهِ مَاءٌ لِلْمَالِكِ فَهَلْ يُشَارِكُ الْمَالِكُ بِنِسْبَةِ مَائِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْقِيَاسُ الْمُشَارَكَةُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْعَفْوِ عَنْهُ) أَيْ لِأَجْلِ الْعَفْوِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُخَلِّصْهُ وَبِيعَ أَخَذَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ مَا بِيعَ بِهِ فَقَطْ لَا أَقْصَى قِيَمِهِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُغَرِّمَهُ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى الْبَيْعِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّ فِيهَا رَدًّا لِلْمَالِكِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْعَيْنَ بِيعَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ التَّالِفَةِ لِعَدَمِ عَوْدِهَا لِيَدِ مَالِكِهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ)
[حاشية الرشيدي]
تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ غُرْمِ الْقِيمَةِ) أَيْ: أَوْ الْمِثْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute