للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّمَلُّكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتُرَابِ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ خَلَطَهُ بِزِبْلٍ وَجَعَلَهُ آجُرًّا غَرِمَ مِثْلَهُ وَرَدَّ الْآجُرَّ لِلنَّاظِرِ، وَلَا نَظَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّبْلِ لِاضْمِحْلَالِهِ بِالنَّارِ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَعَ تَمَلُّكِهِ الْمَذْكُورَ فَالْأَوْجَهُ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ لِمَالِكِهِ، وَيَكْفِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَعْزِلَ مِنْ الْمَخْلُوطِ: أَيْ بِغَيْرِ الْأَرْدَإِ قَدْرَ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَيَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي كَمَا يَأْتِي، وَبِهَذَا مَعَ مَا يَأْتِي أَيْضًا سَقَطَ مَا أَطَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ مِنْ الرَّدِّ وَالتَّشْنِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهِ بَلْ هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ مُنَاسِبٌ لِلتَّعَدِّي حَيْثُ عَلَّقْنَا الْحَقَّ بِذِمَّتِهِ بَعْدَ خُلُوِّهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ لِئَلَّا يَحْتَاجَ لِلْمُضَارَبَةِ بِالثَّمَنِ وَهُوَ إضْرَارٌ بِهِ، وَهُنَا الْوَاجِبُ الْمِثْلُ فَلَا إضْرَارَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ فَرَضَ فَلْسَ الْغَاصِبِ أَيْضًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ جَعَلَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ أَحَقَّ بِالْمُخْتَلِطِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ خَلَطَ مِثْلِيًّا مَغْصُوبًا بِمِثْلِهِ مَغْصُوبٍ بِرِضَا مَالِكِهِ أَوَّلًا أَوْ انْصَبَّ كَذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَمُشْتَرَكٌ لِانْتِفَاءِ التَّعَدِّي كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَخَلَطَهُمَا اشْتَرَكَا فِيهِمَا (قَوْلُهُ كَتُرَابِ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ) أَفْهَمَ أَنَّ تُرَابَ الْمَمْلُوكَةِ إذَا خَلَطَهُ بِالزِّبْلِ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِخَلْطِهِ، وَإِنْ جَعَلَهُ آجِرًا فَلَا يَرُدُّهُ لِمَالِكِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ مِثْلَ التُّرَابِ، وَقِيَاسُ رَدِّ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ وَجِلْدِ الشَّاةِ أَنْ يَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ أَثَرُ مِلْكِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الزَّيْتُ الْمُتَنَجِّسُ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ بِوَجْهٍ، وَالتُّرَابُ الْمَخْلُوطُ بِالزِّبْلِ يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ لَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالزِّبْلِ عَيْنُهُ بَاقِيَةٌ، وَنَجَاسَتُهُ إنَّمَا هِيَ لِلزِّبْلِ الْمُخَالِطِ لَهُ، وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِهِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ تَمْيِيزِ الزِّبْلِ مِنْ التُّرَابِ فَبَقِيَ لِلْغَاصِبِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ قَابِلًا لِلْمِلْكِ

(قَوْلُهُ: لِاضْمِحْلَالِهِ بِالنَّارِ) بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ لَبِنًا اهـ سم عَلَى حَجّ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ تُرَابِهِ مِنْ الزِّبْلِ بَعْدَ بَلِّهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ لِلنَّاظِرِ كَالْآجُرِّ وَغَرِمَ مِثْلَ التُّرَابِ (قَوْلُهُ: وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي إلَخْ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَدْرِ الْمَغْصُوبِ لَا فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوطِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُ مَا عَدَا الْقَدْرَ الْمَغْصُوبَ شَائِعًا قَبْلَ الْعَزْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ تَلِفَ مَا أَفْرَزَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ هَلْ يَضْمَنُ بَدَلَهُ لِتَعَيُّنِهِ بِإِفْرَازِهِ أَوْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالْإِفْرَازِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا بَقِيَ إلَّا بَعْدَ إفْرَازِ قَدْرِ التَّالِفِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي قَبْلَ تَلَفِ الْمُفْرَزِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ فِي قَدْرِ الْمَغْصُوبِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بَعْدَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ بَدَلَهُ، وَحَيْثُ تَلِفَ مَا عَيَّنَ لَهُ تَبَيَّنَ بَقَاءُ حَقِّهِ فِي جِهَةِ الْغَاصِبِ نَظَرًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِرِضَا مَالِكِهِ) أَيْ جِنْسِ الْمَالِكِ الصَّادِقِ بِالْمَالِكَيْنِ

(قَوْلُهُ: أَوْ انْصَبَّ) قَدْ يُخَالِفُ قَوْلَهُ: أَوْ اخْتَلَطَ عِنْدَهُ حَيْثُ جَعَلَهُ ثَمَّ كَالتَّالِفِ وَهُنَا مُشْتَرَكًا، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بِغَيْرِهِ الْمُرَادُ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ. هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ اخْتَلَطَا عِنْدَهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَ تَمْيِيزُ الْمَخْلُوطِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَخَرَجَ بِخَلْطٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التَّعَدِّي) هَذَا لَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ خَلَطَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الشَّرِيكِ الْمُشَارِ إلَيْهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَيْ: بِغَيْرِ الْأَرْدَإِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمَالِكِ مِنْ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوطِ بِالْأَرْدَإِ.

وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَجَعْلِ الْبُرِّ هَرِيسَةً كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا) أَيْ: كَوْنِهِ يَحْجُرُ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ، وَقَوْلُهُ: مَعَ مَا يَأْتِي: أَيْ: فِي شَرْحِ الْمَتْنِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ) عُطِفَ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ السِّيَاقِ.

وَالْمَعْنَى إنْ انْدَفَعَ بِمَا ذُكِرَ تَشْنِيعُ السُّبْكِيّ الَّذِي حَاصِلُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ مِلْكِ الْغَاصِبِ بِالْخَلْطِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ:؛ لِانْتِفَاءِ التَّعَدِّي) قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَطَ بِنَفْسِهِ، وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِ مَا إذَا خَلَطَهُمَا بِغَيْرِ رِضَا مَالِكَيْهِمَا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي سِيَاقِ الشَّارِحِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: بِرِضَا مَالِكِيهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ انْصَبَّ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ الْمَغْصُوبِ بِالْخُصُوصِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>