مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِينَارٍ وَهُوَ يُسَاوِي دِينَارًا لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ نَظَرٌ، مَأْخَذُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي شِرَاءِ زُجَاجَةٍ بِأَلْفٍ وَهِيَ تُسَاوِي دِرْهَمًا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْحِسَّ لَا يُكَذِّبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَبْنَ بِذَلِكَ قَدْ يَقَعُ (وَكَذَا لَوْ) (أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي) فِي زَعْمِ الشَّفِيعِ (الشِّرَاءَ) وَإِنْ كَانَ الشِّقْصُ فِي يَدِهِ (أَوْ) أَنْكَرَ (كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَيَحْلِفُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِشَرِكَتِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ بَتًّا وَأَخَذَ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ) الْقَدِيمُ (بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَكَذَّبَهُ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَمْ لَا، إذْ الْغَرَضُ أَنَّ الشِّقْصَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ: إنَّهُ وَدِيعَةٌ مِنْهُ أَوْ عَارِيَّةٌ مَثَلًا.
وَالثَّانِي لَا تَثْبُتُ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ لَمْ يَثْبُتْ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى مِلْكَهُ وَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ ذِي الْيَدِ لَا يَسْرِي عَلَى ذِي الْيَدِ (وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ) مِنْ الْمُشْتَرِي لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ الشَّفِيعِ كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ يَكُونُ أَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَهَلْ يُتْرَكُ الثَّمَنُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَذِمَّتِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ غَيْرُ صَحِيحٍ (أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ (فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي) أَوَائِلِ (الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ) وَالْأَصَحُّ مِنْهُ الْأَوَّلُ، وَذَكَرَ هُنَا الْمُقَابِلَ دُونَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَثَلًا لِخِسَّتِهِ وَخِسَّةِ مَحِلِّهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ، وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ فِي اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَادَةً وَتَكْذِيبِ الْحِسِّ لَهُ، وَلَا تُرَدُّ مَسْأَلَةُ الزُّجَاجَةِ لِأَنَّ الْغَبْنَ فِيهَا إنَّمَا أَمْكَنَ مِنْ جِهَةِ اشْتِبَاهِهَا بِالْجَوْهَرَةِ الَّتِي يَرْغَبُ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْفَرْقُ لَهُ وَجْهٌ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ دَارٌ شَرِكَةٌ فَبَاعَ الذِّمِّيُّ مَا يَخُصُّهُ لِذِمِّيٍّ آخَرَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ وَثَبَتَتْ لِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ فَمَاذَا يَأْخُذُ بِهِ الْمُسْلِمُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: يَأْخُذُ بِبَدَلِ مَا ذَكَرَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَالًا عِنْدَنَا بِأَنْ يُقَدِّرَ الْخَمْرَ خَلًّا لَا عَصِيرًا وَالْخِنْزِيرَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَفِيمَا لَوْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ فِي الْكُفْرِ وَلَمْ تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَأْخُذَ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَأْخُذُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ رَجَعَ إلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ كَمَا لَوْ جَعَلَ الشِّقْصَ صَدَاقًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، فَقِيمَةُ الشِّقْصِ هُنَا بَدَلُ الْخَمْرِ، كَمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُنَاكَ بَدَلُ الْبُضْعِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الزَّوْجُ فِي النِّكَاحِ وَجُعِلَ الشِّقْصُ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَال بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ، وَكَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ أَشْبَهَ الْهِبَةَ أَوْ مَا أُخِذَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَالْأَوَّلُ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ أَقْرَبُهَا.
أَقُولُ: أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَاتِ آخِرُهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَرَى بُطْلَانَ شِرَاءِ الذِّمِّيِّ بِالْخَمْرِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ تَقَعُ الْقَرَائِنُ بِالتَّكْذِيبِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) مُعْتَمَدٌ: أَيْ فَيُصَدَّقُ (قَوْلُهُ: فِي زَعْمِ الشَّفِيعِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ عَلَيْهِ) أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ) أَيْ الشَّفِيعُ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ حَتَّى يُطَالِبَهُ بِهِ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي) الْأَنْسَبُ فَإِنْ حَلَفَ بِالْفَاءِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ فِيمَا بَعْدَهُ أَحْسَنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute