للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ وَهُوَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ» فَلَعَلَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَاهُ مُقَرِّرًا لَهُ بَعْدَهَا، وَهُوَ قِيَاسُ الْمُسَاقَاةِ بِجَامِعِ الْعَمَلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا اتَّحَدَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ عَكْسَهُمْ لِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ أَشْهُرُ وَأَكْثَرُ، وَأَيْضًا فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْإِجَارَةِ فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ فَوُسِّطَتْ بَيْنَهُمَا إشْعَارًا بِمَا فِيهَا مِنْ الشَّبَهَيْنِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ كَمَا أَنَّهَا كَذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَخْلُقْ (الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ) أَيْ مَوْضُوعُهُمَا الشَّرْعِيُّ هُوَ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تَوْكِيلِ الْمَالِكِ لِآخَرَ، وَعَلَى (أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا) فَخَرَجَ بِقَيْدِ الدَّفْعِ مُقَارَضَتُهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: بِعْ هَذَا وَقَارَضْتُك عَلَى ثَمَنِهِ وَاشْتَرِ شَبَكَةً وَاصْطَدْ بِهَا فَلَا يَصِحُّ.

نَعَمْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالْعَمَلُ إنْ عَمِلَ وَالصَّيْدُ لِلْعَامِلِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الشَّبَكَةِ إنْ لَمْ يَمْلِكْهَا كَالْمَغْصُوبَةِ، وَيَذْكُرُ الرِّبْحَ الْوَكِيلُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ.

وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: عَاقِدَانِ، وَعَمَلٌ، وَرِبْحٌ، وَمَالٌ، وَصِيغَةٌ.

وَسَتُعْلَمُ كُلُّهَا بِشُرُوطِهَا مِنْ كَلَامِهِ

(وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ) هِيَ مَانِعَةُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَشَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ بِنَحْوِ شَهْرَيْنِ وَسَنَةٍ إذْ ذَاكَ نَحْوُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَخْ وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: وَأَنْفَذَتْ) أَيْ أَرْسَلَتْ.

وَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّهَا اسْتَأْجَرَتْهُ بِقَلُوصَيْنِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ أَوْ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالِاسْتِئْجَارِ تَسْمَحُ بِهِ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْهِبَةِ (قَوْلُهُ: مَيْسَرَةَ) لَمْ يُذْكَرْ فِي الصَّحَابَةِ فَالظَّاهِرُ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، قَالَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي حَوَاشِي الشِّفَاءِ (قَوْلُهُ: مُقَرِّرًا لَهُ) أَيْ مُبَيِّنًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقِرَاضُ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِهِ قِيَاسَ الْمُسَاقَاةِ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ عَكْسَهُمْ) قَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهَا كَالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا، وَالدَّلِيلُ يُذْكَرُ بَعْدَ الْمَدْلُولِ فَذَكَرَهَا بَعْدَهُ كَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَدْلُولِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَهِيَ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ (قَوْلُهُ: شَبِيهَةٌ بِالْإِجَارَةِ فِي اللُّزُومِ) أَيْ وَلِلْقِرَاضِ فِي جَهَالَةِ الْعِوَضِ وَالْعَمَلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقِرَاضُ (قَوْلُهُ: رُخْصَةً) فَإِنْ قُلْت: الرُّخْصَةُ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيِّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ وَجَعْلُ الْقِرَاضِ رُخْصَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَمْنُوعًا ثُمَّ تَغَيَّرَ مِنْ الْمَنْعِ إلَى الْجَوَازِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، إذْ مَشْرُوعِيَّتُهُ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ.

قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ فِي التَّعْرِيفِ التَّغَيُّرَ بِالْفِعْلِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونَ تَغَيُّرُهُ بِاعْتِبَارِ مَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ كَمَا هُنَا.

وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ قِيَاسِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (قَوْلُهُ: وَالْمُضَارَبَةُ) عَطْفٌ مُسَاوٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا وَإِلَّا فَفِي عِبَارَتِهِ مُسَامَحَةٌ، إذْ الدَّفْعُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الْقِرَاضِ، أَوْ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ الْمُشْتَمِلُ بِالْمُقْتَضَى لِتَوْكِيلِ إلَخْ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عَطْفِ قَوْلِهِ، وَعَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى تَوْكِيلٍ، وَلَعَلَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّوْكِيلِ دُونَ التَّعْبِيرِ بِالتَّوْكِيلِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَوْكِيلًا مَحْضًا، إذْ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ الْقَبُولُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْعَامِلُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي حَجّ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَاشْتَرِ) أَيْ وَقَوْلُهُ: وَاشْتَرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَمْلِكْهَا) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ لِقَصْدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ دَفَعَ دَرَاهِمَ الْمَالِكِ عَنْ ثَمَنِهَا بَعْدُ

(قَوْلُهُ: وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ) الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ رُكْنَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِيُوجِدَ مَاهِيَّةَ الْقِرَاضِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ الرِّبْحُ وَالْعَمَلُ إنَّمَا يُوجَدَانِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَلَعَلَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِيهِ أَنَّهُ إلَخْ) وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَهُ مِنْهَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ مَالِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: بِبَعْضِ نَمَائِهِ (قَوْلُهُ: مُقَارَضَتُهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ) كَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>