(وَالصِّيغَةُ) مُعْتَبَرَةٌ هُنَا كَالْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهَا خِلَافُ الْمُعَاطَاةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ إلَّا عَدَمَ التَّأْقِيتِ. وَهِيَ صَرِيحَةٌ وَكِنَايَةٌ، فَمِنْ الصَّرِيحِ (أَجَّرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُك) هَذَا أَوْ عَوَّضْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً بِمَنْفَعَةِ دَارِك كَمَا اقْتَضَاهُ إفْتَاءُ الْقَاضِي (أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً) لَيْسَ ظَرْفًا لِأَجْرٍ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَهُوَ يَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ لَفْظِهِ بَلْ لِمُقَدَّرٍ، نَحْوُ انْتَقِعْ بِهِ سَنَةً، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: ٢٥٩] أَيْ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ، وَلَا يُقَالُ: يَصِحُّ جَعْلُهُ ظَرْفًا لِمَنَافِعِهِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ وَلَيْسَ كَالْآيَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنَافِعُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ وَالظَّرْفِيَّةُ تَقْتَضِي خِلَافُ ذَلِكَ، فَكَانَ تَقْدِيرُ مَا ذُكِرَ أَوْلَى أَوْ مُتَعَيِّنًا (بِكَذَا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ. وَتَخْتَصُّ إجَارَةُ الذِّمَّةِ بِنَحْوِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك أَوْ سَلَّمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي خِيَاطَةِ هَذَا أَوْ فِي دَابَّةٍ صِفَتُهَا كَذَا أَوْ فِي حَمْلِي إلَى مَكَّةَ (فَيَقُولُ) الْمُخَاطَبُ مُتَّصِلًا (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) أَوْ اسْتَكْرَيْت، وَمِنْ الْكِنَايَةِ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهُ سَنَةً بِكَذَا أَوْ اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا. وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ، وَتَنْعَقِدُ بِاسْتِيجَابٍ وَإِيجَابٍ وَبِإِشَارَةِ أَخْرَسَ أَفْهَمَتْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ اعْتِبَارَ التَّوْقِيتِ وَذِكْرَ الْأُجْرَةِ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ حِينَئِذٍ، وَمَوْرِدُهَا إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةُ الْمَنَافِعُ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ لَا الْعَيْنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (بِقَوْلِهِ أَجَّرْتُك) أَوْ أَكْرَيْتُكَ (مَنْفَعَتَهَا) أَيْ الدَّارِ سَنَةً بِكَذَا، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فَذِكْرُهَا تَأْكِيدٌ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (مَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ) (بِعْتُك) أَوْ اشْتَرَيْت (مَنْفَعَتَهَا) لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ) عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ: فَأَلْبَثَهُ مَيْتًا مِائَةَ عَامٍ أَوْ أَمَاتَهُ اللَّهُ فَلَبِثَ مَيْتًا مِائَةَ عَامٍ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَنَظِيرُهُ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: ٢٥٩] أَيْ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ اهـ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّ ثَمَّ مَنْ لَا يُقَدِّرُ فِي الْآيَةِ مَحْذُوفًا فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّرْفِيَّةُ تَقْتَضِي إلَخْ) يُنْظَرُ وَجْهُ هَذَا الِاقْتِضَاءِ. وَعَلَيْهِ فَيُرَدُّ مَا قَدَّرَهُ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ مَعَ أَنَّ مَعْنَى انْتَفِعْ اسْتَوْفِ مَنَافِعَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَدَعْوَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ مِمَّا لَا سَنَدَ لَهَا إلَّا مُجَرَّدَ التَّخَيُّلِ، وَمَا يَقُولُ فِي نَحْوِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ مَعَ ظَرْفِيَّةِ السَّنَةِ وَالْيَوْمِ لَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ظَرْفِيَّةٍ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا لِأَحَدٍ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَدْ يُقَالُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ وَالصَّوْمَ مَعْنَاهُمَا فِعْلٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يُصَيِّرُهُ عِنْدَهُ كَالْمَحْسُوسِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ فَإِنَّ تَصَوُّرَهَا يَكُونُ بِأَمْرٍ إجْمَالِيٍّ يَخْتَلِفُ مُتَعَلَّقُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ قِلَّةً وَكَثْرَةً (قَوْلُهُ: خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَقَّقِ: أَيْ خِلَافَ الْمَوْهُومِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَظْرُوفُ مُحَقَّقًا (قَوْلُهُ: فَكَانَ تَقْدِيرُ مَا ذُكِرَ) أَيْ إنْ جُعِلَ ظَرْفًا لِمَنَافِعَ وَمُتَعَيِّنًا إنْ جُعِلَ ظَرْفًا لِأَجْرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ) عِبَارَةُ حَجّ: لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نُوزِعَا فِيهِ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ (قَوْلُهُ وَتَخْتَصُّ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك) أَيْ كَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَهُ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ أُلْزِمْتُك فَإِنَّهُ إجَارَةُ عَيْنٍ كَمَا نَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ أَقْرَبُ احْتِمَالَيْنِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قَالَ لِلْأَجِيرِ أُلْزِمْتُك عَمَلَ كَذَا فَهَلْ هُوَ إجَارَةُ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ؟ ذَكَرَ فِيهِ الدَّمِيرِيِّ احْتِمَالَيْنِ، وَقَالَ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إجَارَةُ عَيْنٍ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَابَّةٍ) أَيْ لِحَمْلِ كَذَا أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الدَّابَّةِ نَفْسِهَا (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ بِاسْتِيجَابٍ) كَآجَرَنِي وَإِيجَابٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَقَبُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ (قَوْلُهُ: لِانْتِقَاءِ الْجَهَالَةِ) أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ فَلَيْسَ عِلَّةً لِلْإِفْهَامِ (قَوْلُهُ: مُضَافًا إلَى الْعَيْنِ) أَيْ مُرْتَبِطًا بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَقْصِدُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute