للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ مَرْدُودٌ بِاخْتِلَالِ الصِّيغَةِ حِينَئِذٍ، إذْ لَفْظُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَيُنَافِي ذِكْرَ الْمُدَّةِ، وَلَوْ قَالَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك كَذَا كَفَاهُ عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا.

(وَهِيَ قِسْمَانِ) : (وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِهِ فِيهَا (وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ) أَيْ آدَمِيٍّ، وَلِكَوْنِهِ ضِدُّ الدَّابَّةِ اتَّضَحَتْ التَّثْنِيَةُ الْمُغَلَّبُ فِيهَا الْمُذَكَّرُ لِشَرَفِهِ فِي قَوْلِهِ (مُعَيَّنَيْنِ) فَيُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَيْنِ. وَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إلْحَاقِ السُّفُنِ بِهِمَا لَا بِالْعَقَارِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا، إلَّا إجَارَةُ عَيْنٍ كَالْعَقَارِ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي السُّفُنِ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا مُقَابِلُ الذِّمَّةِ، وَهُوَ مَا يَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِهِ، وَفِي صُورَةِ الْخِلَافِ السَّابِقَةِ آنِفًا مُقَابِلُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ مَا يُرَدُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَذِنَ أَجِيرُ الْعَيْنِ لِغَيْرِهِ فِي الْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ فَعَمِلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ: أَيْ عَلَى الْآذِنِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَ) وَارِدَةٌ (عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ) مَثَلًا (مَوْصُوفَةٍ) بِالصِّفَاتِ الْآتِيَةِ (وَ) يُتَصَوَّرُ أَيْضًا (بِأَنْ يَلْزَمَ ذِمَّتَهُ) عَمَلًا، وَمِنْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَمْلُهُ إلَى كَذَا أَوْ (خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً) بِشَرْطِهِمَا الْآتِي أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا أَوْ فِي دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ لِيَحْمِلَهُ إلَى مَكَّةَ مَثَلًا بِكَذَا (وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك) أَوْ اكْتَرَيْتُك (لِتَعْمَلَ كَذَا) أَوْ لِكَذَا أَوْ لِعَمَلِ كَذَا (فَإِجَارَةُ عَيْنٍ) لِأَنَّ الْخِطَابَ دَالٌ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِعَيْنِ الْمُخَاطَبِ كَاسْتَأْجَرُت عَيْنَك (وَقِيلَ) إجَارَةَ (ذِمَّةٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ حُصُولُ الْعَمَلِ لَا بِالنَّظَرِ لِفَاعِلِهِ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ نَظَرًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ سَلَمٍ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ) أَيْ بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ) مَشَى عَلَيْهِ حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ إلَخْ) هَذِهِ الصُّورَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَتَخْتَصُّ بِنَحْوِ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك. وَأَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الذِّمَّةِ فَإِجَارَةُ عَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الدَّمِيرِيِّ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ (قَوْلُهُ: فَيُتَصَوَّرُ فِيهِمَا) أَيْ الدَّابَّةِ وَالشَّخْصِ (قَوْلُهُ: أَفْتَى الْوَالِدُ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا) أَيْ مَحْسُوسٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ السَّابِقَةِ آنِفًا) هِيَ قَوْلُهُ وَمَوْرِدُ إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا أُجْرَةَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا عُلِمَ الْفَسَادُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَا لِلثَّانِي إنْ عُلِمَ الْفَسَادُ وَإِلَّا فَلَهُ إلَخْ، وَتَعَقَّبَهُ سم بِمَا صُورَتُهُ تُقَدَّمُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ مَعَ عِلْمِ الْفَسَادِ فَمَا الْفَرْقُ اهـ سم عَلَى حَجّ. قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ فَكَانَ عَمَلُهُ فِيهِ جَائِزًا، وَمَا هُنَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْهُ فَهُوَ كَمَأْذُونِ الْغَاصِبِ وَعَمَلُهُ مُهْدَرٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ وَسَاقَى غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ عُلِمَ الْفَسَادُ، وَقَوْلُ سم قَدْ يَسْتَحِقُّ مَعَ عِلْمٍ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِ الْفَسَادِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَامِلًا ثَانِيًا، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْعَامِل مِنْ حَيْثُ هُوَ يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى أَنَّ لَك مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الرِّبْحِ جُزْءًا (قَوْلُهُ عَلَى الْآذِنِ) أَيْ لَا عَلَى الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَمْلُهُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ أَلْزَمْتُك حَمْلِي إلَى كَذَا لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَلْزَمْتُك عَمَلَ كَذَا كَانَ إجَارَةَ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى كَلَامِ غَيْرِ الدَّمِيرِيِّ فَمَا عَنْ الدَّمِيرِيِّ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا لَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك حَمْلِي إلَى كَذَا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِعَمَلِ كَذَا) أَيْ أَوْ أَلْزَمْتُك عَمَلَ كَذَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدَّمِيرِيِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ.

(قَوْلُهُ إنْ عُقِدَتْ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ عُقِدَتْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِهِ ضِدَّ الدَّابَّةِ) أَيْ: الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ: اتَّضَحَتْ التَّثْنِيَةُ) وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ الْعَطْفِ بِأَوْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تَعَيُّنِ الْإِفْرَادِ بَعْدَهَا إذَا كَانَتْ لِلشَّكِّ أَوْ نَحْوِهِ، لَا لِلتَّنْوِيعِ

(قَوْلُهُ: بِلَفْظِ إجَارَةٍ) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>