لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، وَفَصَلَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الْإِيجَارِ، أَوْ يَجْرِيَ بِهِ عُرْفٌ عَامٌّ، كَدِيَارِ مِصْرَ فَتَصِحُّ وَإِلَّا فَتُمْتَنَعُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَتُوَجَّهُ الصِّحَّةُ مَعَ عَدَمِ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنَّ اطِّرَادَ الْعُرْفِ بِذَلِكَ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ إذْنِ الْإِمَامِ (فَلَا يَصِحُّ) (اسْتِئْجَارُ) مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ، أَوْ شَرَطَ فِي بَيْعِهِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى انْتِزَاعِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ: أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي التَّفْرِيغِ مِنْ نَحْوِ الْأَمْتِعَةِ وَذَلِكَ كَبَيْعِهِمَا. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قُدْرَةَ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الِانْتِزَاعِ كَذَلِكَ كَافِيَةٌ، وَأَلْحَقَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ مَسْكَنُ الْجِنِّ وَأَنَّهُمْ يُؤْذُونَ السَّاكِنَ بِرَجْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَطُرُوُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِجَارَةِ كَطُرُوِّ الْغَصْبِ بَعْدَهَا (وَ) لَا اسْتِئْجَارَ (أَعْمَى لِلْحِفْظِ) بِالنَّظَرِ وَأَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ إجَارَةَ عَيْنٍ لِاسْتِحَالَتِهِ، بِخِلَافِ الْحِفْظِ بِنَحْوِ يَدٍ وَإِجَارَةَ الذِّمَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا سَلَمٌ وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلِّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ.
(وَ) لَا اسْتِئْجَارَ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ أَوْ نَدَاوَةٍ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ غَيْرُ كَافٍ كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ أَحْفِرُ لَك بِئْرًا: أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ: أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يُتَخَيَّرُ عِنْدَ عَدَمِ وَفَائِهِ لَهُ بِذَلِكَ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، وَخَرَجَ بِالزِّرَاعَةِ مَا لَوْ عَمَّ كَاسْتِئْجَارِهَا لِمَا شَاءَ أَوْ لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ (وَيَجُوزُ) إيجَارُهَا (إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ لِسُهُولَةِ الزِّرَاعَةِ حِينَئِذٍ، وَيَدْخُلُ شُرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ أَوْ شُرِطَ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ شُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ، وَمَعَ دُخُولِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَاءَ بَلْ يَسْقِي بِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْحَمَّامِ كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ (وَكَذَا) يَجُوزُ إيجَارُهَا (إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمَعَةِ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ) وَإِنْ جَازَ لِلسُّلْطَانِ الِاسْتِرْدَادُ اهـ حَجّ: أَيْ حَيْثُ كَانَ أَقْطَعَ إرْفَاقًا، أَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِمَامِ الرُّجُوعُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ كَبَيْعِهِمَا) التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَمَّ كَوْنُ الْقُدْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْدِرَ بِلَا مُؤْنَةٍ أَوْ كُلْفَةٍ لَهَا وَقَعَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ إنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُمْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ دَفْعُهُمْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَمِنْهُ مَا لَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِكِتَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَتِلَاوَةِ قَسَمٍ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ أَجَازَ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: كَطُرُوِّ الْغَصْبِ بَعْدَهَا) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَيَثْبُتُ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ غَصَبَ بِغَيْرِ انْتِفَاعٍ بِهَا لِتَعَذُّرِهِ انْفَسَخَتْ فِيهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: يُؤْذُونَ السَّاكِنَ بِرَجْمٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مَعِدَةً لِلسُّكْنَى بَلْ لِخَزِينِ أَمْتِعَةٍ كَتِبْنٍ وَنَحْوِهِ صَحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبِلَ) أَيْ الْقَوْلَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ) أَوْ يَفْعَلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي تَمَلُّكِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَاءَ) أَيْ فَلَوْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاءٌ مُعْتَادًا وَيَغْلِبُ حُصُولُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بِذَلِكَ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ صِحَّةُ إيجَارِهِ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ فِي إقْطَاعِ الْأَوْقَافِ، أَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِتْقِ بِأَنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ كَقُدُومِ غَائِبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَمِرٌّ) دَفَعَ بِهِ إيهَامَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute