فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ عَادَةً إلَّا بِذَلِكَ. فَكَانَ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا كَانَ مُسْتَقِرَّ الْقِيمَةِ، وَمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا فِيهِ تَعَبٌ. أَمَّا مَا يَحْصُلُ فِيهِ تَعَبٌ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ امْتِنَاعُ أَخْذِ طَبِيبٍ أُجْرَةٍ عَلَى كَلِمَةٍ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا هُوَ عُرْفُ إزَالَةِ اعْوِجَاجِ نَحْوِ سَيْفٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَشَقَّةٌ، إذْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتُ يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) أَوْ الْوَزْنِ بِهَا أَوْ الضَّرْبِ عَلَى سِكَّتِهَا (وَ) نَحْوِ (كَلْبٍ لِلصَّيْدِ) أَوْ الْحِرَاسَةِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزَيُّنِ بِهِمَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ غَالِبًا بِدَلِيلِ عَدَمِ ضَمَانِ غَاصِبِهِمَا أُجْرَتَهُمَا وَنَحْوُ الْكَلْبِ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهِ، وَالثَّانِي يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا تَصِحُّ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَيُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ دَنَانِيرَ مَثْقُوبَةٍ غَيْرِ مُعَارَةٍ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُوسِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ هِرٍّ لِدَفْعِ الْفَأْرِ. وَشَبَكَةٍ وَبَازٍ وَشَاهِينَ لِصَيْدٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُتَقَوِّمَةٌ.
(وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) بِتَسْلِيمِ مَحَلِّهَا حِسًّا وَشَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى ذَلِكَ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَدَخَلَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُقَطِّعِ لَهُ إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى) حَيْثُ قَالَ: مَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى كَلِمَةِ لَا تُتْعِبُ إذَا كَانَ الْمُنَادَى عَلَيْهِ مُسْتَقِرَّ الْقِيمَةِ اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا جَهَالَةَ الْعَمَلِ هُنَا لِلْحَاجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا، وَلَا مِقْدَارَ الزَّمَانِ الَّذِي يَصْرِفُ فِيهِ التَّرَدُّدَ لِلنِّدَاءِ، وَلَا الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى إبْطَالِ السِّحْرِ، لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ بِالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ وَتِلَاوَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا.
وَمِنْهُ إزَالَةُ مَا يَحْصُلُ لِلزَّوْجِ مِنْ الِانْحِلَالِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالرِّبَاطِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْعِوَضَ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الزَّوْجِ وَالْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَهْلُهَا الْعِوَضَ لَزِمَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْتِزَامِهَا وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَامَ الْمَانِعَ بِهِ الِاسْتِئْجَارُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُدَاوَاةِ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْمَرِيضِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ إنْ وَقَعَ إيجَارٌ صَحِيحٌ بِعَقْدٍ لَزِمَ الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلُنَا أَوَّلًا وَلَوْ أَجْنَبِيًّا قَوْلَ الشَّارِحِ وَكَوْنُهَا وَاقِعَةً عَلَى الْمُكْتَرِي لِجَوَازِ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْجَعَالَةِ لَا مِنْ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهَا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا فَلُزُومُ الْجَعْلِ لِلْمُلْتَزِمِ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ) أَيْ فِي ضَرْبَةِ السَّيْفِ (قَوْلُهُ الْأَوَّلَ) أَيْ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا (قَوْلُهُ: حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ فَلَا رِبَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: لِلتَّزَيُّنِ بِهَا) أَيْ لِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: كَالْعَنْدَلِيبِ) بِوَزْنِ الزَّنْجَبِيلِ طَائِرٌ يُقَالُ لَهُ الْهَزَارُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَجَمْعُهُ عَنَادِلُ اهـ مُخْتَارُ الصِّحَاحِ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ.
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ شَأْنِهَا لَا تُتْعِبُ، فَلَعَلَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ عَادَةً إلَّا بِذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَرُدُّ بَحْثَ الْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ عَدَمُ التَّعَبِ وَمَا الْعَادَةُ فِيهِ عَدَمُ التَّعَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute