حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ مُضِيِّ مَا مَرَّ وَيَسُوقُ إلَيْهَا مَاءً يَكْفِيهَا وَلَا يَكْتَفِي بِوَعْدِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْخِيَارُ فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ ثَبَتَ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَعَذُّرُ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ: أَيْ أَوْ بَعْضِهَا وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الزَّمَانِ
(وَغَصْبُ) غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ لِنَحْوِ (الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ) فِي إجَارَةِ عَيْنٍ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُكْتَرِي وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ (يَثْبُتُ الْخِيَارُ) إنْ لَمْ يُبَادِرْ بِالرَّدِّ كَمَا مَرَّ وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ فَسَخَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَجَازَ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّتُهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهَا بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ إنْ شَمِلَهَا الرَّيُّ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُقَدَّرَةِ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْتَفَى بِوَعْدِهِ) أَيْ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِوَعْدِهِ بِسَوْقِ الْمَاءِ، لَكِنْ لَوْ أَخَّرَ اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ سَوْقٌ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا وَوَعَدَهُ بِتَرْتِيبِ مَاءٍ يَكْفِيهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ سَبَبُهُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَيُتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ بِأَنْ غُصِبَ مِنْ يَدِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْمَالِكِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَجْلِ كَوْنِهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْمَالِكِ، كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَصْبِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَالِكِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ تُهْمَةٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِغُصِبَتْ عَلَى الْمُسْتَأْجِر أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْهُ لَكِنْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَاصِبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ التَّأَمُّلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُ مَا اسْتَوْفَاهُ) فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْغَصْبُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ زَالَ الْغَصْبُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ اهـ. قُلْت: لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْغَصْبَ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ بَعْضِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْقَاضِي يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا زَمَنَ وِلَايَتِهِ بِمِصْرَ وَصَحِبَ مَعَهُ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَقَالَ: الْعَجَبُ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ الزِّيَادِيَّ أَفْتَى بِأَنَّ الْغَصْبَ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ، وَهَذَا مَتْنُ الْمِنْهَاجِ قَاضٍ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَصْبَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَجِيبٌ، فَبَلَغَ شَيْخَنَا الْمَذْكُورَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ فَكَتَبَ إلَى الْقَاضِي يَحْيَى وَهَذَا صُورَةُ مَا كَتَبَ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الْمَعْرُوضَ عَلَى الْمَسَامِعِ الْكَرِيمَةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَتَبَ فِيهَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مُخَالِفًا لِمَا كَتَبْته، وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا مِنْ نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ فَكَتَبْت فِيهَا بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى الِانْفِسَاخِ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُتَحَدِّثِ: أَيْ النَّاظِرِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْغَصْبُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ زَالَ الْغَصْبُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ.
وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالُوا إنَّ الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا أَنَّ خِيَارَ الْإِجَارَةِ عَلَى التَّرَاخِي، لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ. فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْعَمَائِمِ الْكِبَارِ فَذَهَبَ بِهَا إلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ أَنَّ فُلَانًا أَفْتَى بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِالْغَصْبِ، فَقُلْت لَهُ: الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَرَجَعَ إلَيَّ وَقَالَ: فِي أَيِّ بَابٍ؟ فَقُلْت لَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ كَتَبْت ثَانِيًا فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ بَعْضِ مُدَرِّسِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، فَأَرْسَلَ إلَيَّ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ فَقَالَ لِي: فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ
[حاشية الرشيدي]
لَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنْ يَقُولَ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا الْمَذْكُورُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute