بِحُرْمَةِ فَرْشِهَا كَمَا يُفْعَلُ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَخَلْفَ مَقَامِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَبِيِّنَا لَمْ يَبْعُدْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَتَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ، وَلَا نَظَرَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ تَنْحِيَتِهَا لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَهَابُ ذَلِكَ فَهُوَ قِيَاسُ حُرْمَةِ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ يَهَابُهُ عَلَى أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ جُلُوسُهُ لِاعْتِكَافِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مُدَّةً بَطَلَ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ وَلَوْ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ أَثْنَاءَهَا لِحَاجَةٍ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِغَيْرِهَا نَاسِيًا كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُسَنُّ مَنْعُ مَنْ جَلَسَ فِيهِ لِمُبَايَعَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ وَيُمْنَعُ مَنْ هُوَ بِحَرِيمِهِ إنْ أَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَيُنْدَبُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَغَيْرِهَا تَوْقِيرًا لَهُمْ
(وَلَوْ) (سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ) وَفِيهِ شَرْطٌ مَنْ يَدْخُلُهُ وَكَذَا الْبَاقِي (أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ) أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إلَى مَا بُنِيَ لَهُ (أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعِجْ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) مِنْهُ (بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلَا نَائِبًا وَيَأْذَنُ الْإِمَامُ لِعُمُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ نَاظِرٌ أَوْ اسْتَأْذَنَهُ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ، وَيُوَافِقُهُ اعْتِبَارُ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الصَّلَاحِ إذْنُهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمُتَوَلِّي إذْنَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اُعْتِيدَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْيَدِ مَنْ هُوَ صِفَتُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ، وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُنْظَرُ إلَى الْغَرَضِ الْمُبْنَى لَهُ وَيُعْمَلُ بِالْمُعْتَادِ الْمُطَّرِدِ فِي مِثْلِهِ حَالَةَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَ بِهَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ فَيُزْعَجَ فَقِيهٌ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَصُوفِيٌّ تَرَكَ التَّعَبُّدَ، وَلَا يُزَادُ فِي رِبَاطِ مَارَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ نَحْوُ ثَلْجٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَضِيَّةُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهَا عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي إلَخْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا مَانِعَ مِنْ إزَالَتِهَا وَإِنْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ مُدَّةً إلَخْ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ لِقِرَاءَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَدْرًا بَطَلَ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ بَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ إلَى الْإِتْيَانِ بِمَا قَصَدَهُ وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ وَعَادَ اهـ سم.
أَقُولُ: وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَخْذُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِاعْتِكَافُ كَمَا يَصِحُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي فَارَقَهُ يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ، فَبِقَاعُ الْمَسْجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلِاعْتِكَافِ مُسْتَوِيَةٌ (قَوْلُهُ: بَطَلَ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ نِيَّةَ الْمُدَّةِ لِيَكُونَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا عَادَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَعُودَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ إذَا عَادَ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ مَنْعُ مَنْ جَلَسَ) أَيْ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ أَوْ حِرْفَةٌ: أَيْ لَا تَلِيقُ بِالْمَسْجِدِ كَخِيَاطَةٍ بِخِلَافِ نَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ مَنْ هُوَ إلَخْ) أَيْ فَيَحْرُم جُلُوسُهُ حِينَئِذٍ لِلْإِضْرَارِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ مَنْعُ النَّاسِ) عِبَارَةُ حَجّ وَيُمْنَعُ مُسْتَطْرِقٌ لِحَلْقَةِ عِلْمٍ إلَخْ انْتَهَى: أَيْ نَدْبًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ) أَيْ خُلُوَّهَا (قَوْلُهُ: يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ) أَيْ إذْ لَوْ أَرَادَ خِلَافَهُ لَذَكَرَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَنَا تَمْكِينُ الذِّمِّيِّ مِنْ التَّخَلِّي وَالِاغْتِسَالِ فِي فَسْقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يَمْتَنِعُ وَهُوَ الْجَوَازُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا جَارٍ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَعِلْمِهِ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي وَقْفِهِ مَا يُخَالِفُهُ.
[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ كَنِيسَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ فِي رِبَاطِ مَارَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) أَيْ: بِأَنْ نَوَى مُدَّةً مُعَيَّنَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute