للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِينَئِذٍ فَلَا نَظَرَ لِأَفْضَلِيَّةِ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ انْحَصَرَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ النَّهْيِ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَزَالَ اخْتِصَاصُهُ عَنْهَا بِمُفَارَقَتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَأْلَفَهَا فَيَقَعَ فِي رِيَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَفَارَقَ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَالصَّلَاةُ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ، وَاعْتِرَاضُ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ ثَوَابَهَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ رُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ لَهُ مَوْضِعَهُ مِنْهُ وَأُقِيمَتْ لَزِمَ عَدَمُ اتِّصَالِ الصَّفِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَقْصِهَا فَإِنَّ تَسْوِيَتَهُ مِنْ تَمَامِهَا وَمَجِيئُهُ فِي أَثْنَائِهَا لَا يَجْبُرُ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي أَوَّلِهَا وَبِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَحِلٌّ مِنْ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ مَا يَلِي الْإِمَامَ فِي أَيِّ مَحِلٍّ كَانَ مِنْهُ، فَثَوَابُهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ بِاخْتِلَافِ بِقَاعِهِ، بِخِلَافِ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَاتِهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصِ بَعْضِهَا بِكَثْرَةِ الْوَارِدِينَ فِيهِ وَبِالْوِقَايَةِ مِنْ نَحْوِ حَرٍّ وَبَرْدٍ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ قَائِلَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَجِيئِهِ قَبْلُ فَيَبْقَى حَقُّهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِقَامَةِ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ، وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ.

وَفَارَقَ أَيْضًا بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ إذَا فَارَقَهُ سَاكِنُهُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُقْصَدُ السُّكْنَى فِيهِ، وَإِنَّمَا تُؤْلَفُ بِقَاعُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا، بِخِلَافِ بُيُوتِ الْمَدَارِسِ تُقْصَدُ السُّكْنَى بِهَا فَاعْتُبِرَ مَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَهُوَ الْغَيْبَةُ الطَّوِيلَةُ (فَلَوْ فَارَقَهُ) وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِيمَا يَظْهَرُ (لِحَاجَةٍ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَرُعَافٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَإِجَابَةِ دَاعٍ (لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ) وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) فَيَحْرُمَ عَلَى غَيْرِهِ الْعَالِمِ بِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَظَنَّ رِضَاهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ فِيهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ آنِفًا، وَالثَّانِي يَبْطُلُ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.

نَعَمْ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ حَقِّ السَّبَقِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِخْلَافِ أَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فَيُؤَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ لِخَبَرِ " لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " مَرْدُودٌ، إذْ الِاسْتِخْلَافُ نَادِرٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ خَلْفَهُ، وَكَيْفَ يُتْرَكُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِمُتَوَهِّمٍ عَلَى أَنَّ عُمُومَ كَلَامِهِمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الْخَبَرِ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِفَرْشِ سَجَّادَةٍ لَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ فَلِلْغَيْرِ تَنْحِيَتُهَا بِرِجْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهَا بِهَا عَنْ الْأَرْضِ لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ قِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِيهِ الْعِلَلَ وَمَعَانِيَ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَالِسَ لَهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ مِنْ اتِّخَاذِ مَوْضِعٍ فِي الْمَسْجِدِ لِلذِّكْرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَثَلًا، فَإِذَا اجْتَمَعُوا نُظِرَ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ تَشْوِيشٌ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فِي صَلَاتِهِمْ أَوْ قِرَاءَتِهِمْ مُنِعُوا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَمْ يُمْنَعُوا مَا دَامُوا مُجْتَمَعِينَ فِيهِ، فَإِنْ فَارَقُوهُ سَقَطَ حَقُّهُمْ حَتَّى لَوْ عَادُوا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَوَجَدُوا غَيْرَهُمْ سَبَقَهُمْ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَتُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ) يُفِيدُ أَنَّ مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ ثُمَّ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ، وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ مَكَانَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أَرَادَ شَغْلَهُ بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ لَا فِي وَقْتٍ آخَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَمِنْهُ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي تُوضَعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَوْ أَحْدَثَ مَنْ يُرِيدُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ فَقَامَ لِيَتَطَهَّرَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ فِي يَوْمٍ فَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَلَا حَقَّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) أَيْ مِمَّا اُعْتِيدَ فِعْلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْأَذْكَارِ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ اسْتِمَاعِ الْحَدِيثِ وَالْوَعْظِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَرَادَ صَلَاةَ الضُّحَى أَوْ الْوَتْرَ فَفَعَلَ بَعْضَهَا ثُمَّ طَرَأَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِذَهَابِهِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا تُعَدُّ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ النَّفَلَ الْمُطْلَقَ مِثْلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْجُلُوسُ فِيهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُلُوسِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ إذَا جَاءَ: أَمَّا إذَا جَلَسَ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ إذَا جَاءَ قَامَ لَهُ عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ اهـ سم.

أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ جُلُوسُهُ فِيهِ إلَى امْتِنَاعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجِيءِ لَهُ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا وَإِلَّا امْتَنَعَ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>