فَأَرَادَ ذُو الْأَعْلَى أَنْ يَسْقِيَ مِنْ الْأَوْسَطِ بِرِضَا صَاحِبِهِ كَانَ لِذِي الْأَسْفَلِ مَنْعُهُ لِئَلَّا يَتَقَادَمَ ذَلِكَ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ شِرْبًا مِنْ الْأَوْسَطِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْضَانِ عُلْيَا فَوُسْطَى وَبِسُفْلَى لِآخَرَ شِرْبٌ مِنْ مُبَاحٍ كَذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ لِلثَّانِيَةِ شِرْبًا مُسْتَقِلًّا لِيَشْرَبَا مَعًا ثُمَّ يُرْسِلَ لِمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ وَأَرَادَ هَذَا مَنْعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَأْخِيرٌ لِسَقْيِ أَرْضِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ إذَا شَرِبَا مَعًا أَسْرَعُ مِنْهُ إذَا شَرِبَا مُرَتَّبًا (فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضَهُمْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بِلَا أَلِفٍ (مِنْهَا) أَيْ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ (فَضَاقَ سَقْيُ الْأَعْلَى) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَتْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ (فَالْأَعْلَى) وَإِنْ هَلَكَ زَرْعُ الْأَسْفَلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ فَإِنْ اتَّسَعَ سَقَى مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، هَذَا كُلُّهُ إنْ أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْحَالُ.
أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ أَسْبَقَ إحْيَاءً فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، بَلْ لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إحْيَاءَ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى النَّهْرِ وَسَقْيَهُ مِنْهُ عِنْدَ الضِّيقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِئَلَّا يُسْتَدَلَّ بِقُرْبِهِ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ثُمَّ مَنْ وَلِيَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَهَكَذَا، وَلَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِالْقُرْبِ مِنْ النَّهْرِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَعْلَى الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا لَا الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ، وَعَبِّرُوا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا يَتَحَرَّى قُرْبَهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ، وَلَوْ اسْتَوَتْ أَرَضُونَ فِي الْقُرْبِ لِلنَّهْرِ وَجُهِلَ الْمُحْيِي أَوْ لَا أُقْرِعَ لِلتَّقَدُّمِ (وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) لِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ جَانِبُ الْكَعْبِ الْأَسْفَلِ وَمُخَالَفَةُ غَيْرِهِ لَهُ مُحْتَجًّا بِآيَةِ الْوُضُوءِ مَرْدُودَةٌ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى دُخُولِ الْمُغَيَّا فِي تِلْكَ خَارِجِيٌّ وُجِدَ ثُمَّ لَا هُنَا، وَالتَّقْدِيرُ بِهِمَا هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
شَاةٍ ذَبَحَهَا بِأَنَّهُ ثَمَّ أَتْلَفَ غَدَاءً لِلْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنِ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَتَأَيَّدُ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ السَّمْنَ، وَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضِيهِمْ فِيمَنْ عَطَّلَ شُرْبَ مَاءِ الْغَيْرِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا ذَكَرَهُ حَجّ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَفْتَى أَيْضًا ابْنُ الصَّلَاحِ بِضَمَانِ شَرِيكِ غَوَّرَ مَاءَ عَيْنٍ مِلْكٍ لَهُ وَلِشُرَكَائِهِ فَيَبِسَ مَا كَانَ يُسْقَى بِهَا مِنْ الشَّجَرِ.
وَقَدْ يُقَالُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَفْرُوضٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِيمَا أَدَّى حَبْسُهُ إلَى فَسَادِ الشَّجَرِ نَفْسِهِ، وَمَا هُنَا فِيمَا لَوْ عَطَّلَ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِأَنْ أَيْبَسَهَا بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ لِلزِّرَاعَةِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ لَهُ ثَلَاثُ مَسَاقٍ، وَقَوْلُهُ " وَأَرَادَ هَذَا " اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يُرْسِلُ إلَى أَسْفَلَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ تَلِفَ زَرْعُ غَيْرِهِ فِي مُدَّةِ سَقْيِهِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ هَلَكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بَلْ مُنِعَ مَنْ أَرَادَ إحْيَاءَ أَقْرَبَ مِنْهُ) فِي الْخَادِمِ: فَرْعٌ أَرْضٌ لَهَا شِرْبٌ مِنْ نَهْرٍ فَقَصَدَ مَالِكُهَا حَفْرَ سَاقِيَةٍ إلَى نَهْرٍ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِيهِ وَسَدَّهُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْأَبْوَابِ إلَى الشَّارِعِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ اهـ؟ قُلْت: وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقٌ عَلَى السَّابِقِينَ بِالْإِحْيَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ السَّقْيَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى ذَلِكَ النَّهْرِ مِنْهُمْ امْتَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا) أَيْ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) عِبَارَةُ حَجّ: وَاعْتَرَضُوا بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ قَدْ يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ لِلْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ لِاخْتِلَافِهِمَا زَمَنًا وَمَكَانًا، فَاعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ أَهْلِ كُلِّ مَحِلٍّ بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ وَالْخَبَرُ جَارٍ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ قِيلَ النَّخْلُ إنْ أُفْرِدَتْ كُلٌّ بِحَوْضٍ فَالْعَادَةُ مِلْؤُهُ وَإِلَّا اُتُّبِعَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ اهـ: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ إلَخْ اهـ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَانَ لِذِي الْأَسْفَلِ مَنْعُهُ) كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَرِيكَ أَرْبَعَةٍ فِي الْمَعْنَى بَعْدَ أَنْ كَانَ شَرِيكَ اثْنَيْنِ، وَلَعَلَّ الصُّورَةَ عِنْدَ الضِّيقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ نَظَرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: وَسَقْيُهُ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute