للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ كَوْنِ الْوَجْهِ الرُّجُوعَ فِي السَّقْيِ لِلْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ لِاخْتِلَافِهِمَا زَمَنًا وَمَكَانًا، فَاعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ أَهْلِ كُلِّ مَحِلٍّ بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ، وَالْخَبَرُ جَارٍ عَلَى عَادَةِ الْحِجَازِ، فَقَدْ قِيلَ إنَّ النَّخْلَ إنْ أُفْرِدَتْ كُلٌّ بِحَوْضٍ فَالْعَادَةُ مِلْؤُهُ وَإِلَّا اُتُّبِعَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْأَرْضِ، يُقَالُ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ قِسْمَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ فَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لَهُ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ) الْوَاحِدَةِ (ارْتِفَاعٌ) مِنْ طَرَفٍ (وَانْخِفَاضٌ) مِنْ طَرَفٍ (أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ) لِئَلَّا يَزِيدَ الْمَاءُ فِي الْمُخَفَّضَةِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لَوْ سَقَيَا مَعًا فَيُسْقَى أَحَدُهُمَا حَتَّى يَبْلُغَهُمَا ثُمَّ يُسَدَّ عَنْهَا وَيُرْسِلَهُ إلَى الْآخَرِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَسْفَلِ بَلْ لَوْ عُكِسَ جَازَ، وَمُرَادُهُمْ أَنْ لَا تَزِيدَ الْمُسْتَقِلَّةُ عَلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ) الْمُبَاحِ (فِي إنَاءٍ مِلْكٌ عَلَى الصَّحِيحِ) بَلْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَا يَصِيرُ بِإِعَادَتِهِ إلَيْهِ شَرِيكًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ حُرْمَةِ صَبِّهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ الْمَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَكَالْأَخَذِ فِي إنَاءِ سَوْقِهِ لِنَحْوِ بِرْكَةٍ أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودٍ، وَكَذَا دُخُولُهُ فِي كِيزَانِ دُولَابِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ.

وَالثَّانِي لَا يُمْلَكُ الْمَاءُ بِحَالٍ بَلْ يَكُونُ بِإِحْرَازِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِمَا تَقَرَّرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ سَيْلٍ وَلَوْ بِحَفْرِ نَهْرٍ حَتَّى دَخَلَ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُخُولِهِ.

نَعَمْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ جَرْيًا فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَحْرَزَ مَحِلَّهُ بِالْقَفْلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتِ الِارْتِفَاقِ) لِنَفْسِهِ بِشُرْبِهِ أَوْ شُرْبِ دَوَابِّهِ مِنْهُ لَا لِلتَّمَلُّكِ (أَوْلَى بِمَائِهَا) مِنْ غَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْهُ وَلَوْ لِسَقْيِ زَرْعِهِ (حَتَّى يَرْتَحِلَ) لِسَبْقِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ ارْتَحَلَ بَطَلَتْ أَحَقِّيَّتُهُ وَإِنْ عَادَ.

وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مَا لَمْ يَرْتَحِلْ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ.

وَأَمَّا حَفْرُهَا لِارْتِفَاقِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: مِنْ كَوْنِ الْوَجْهِ الرُّجُوعَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فَاعْتُبِرَتْ) أَيْ الْحَاجَةُ (قَوْلُهُ: فِي إنَاءِ مِلْكٍ فِي الْأَصَحِّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ لَهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّمْيِيزِ فِي الْمُحْيِي بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ.

وَالْجَوَابُ أَمَّا أَوَّلًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرَى ذَلِكَ الْقَيْدَ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ ثُمَّ بِالْمَجْنُونِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذَا لَمَّا كَانَ الِانْتِقَاعُ بِهِ بِإِعْدَامِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّفْعُ بِهِ حَتَّى لِلدَّوَابِّ الَّتِي لَا قَصْدَ لَهَا وَلَا شُعُورَ تَوَسَّعُوا فِيهِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي تَمَلُّكِهِ تَمْيِيزًا وَلَا غَيْرَهُ.

وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا لِلذِّمِّيِّ أَخْذَ الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ مِنْ دَارِنَا قَالُوا لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ تَغْلِبُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَمَا يَقَعُ مِنْ إرْسَالِ الصِّبْيَانِ لِلْإِتْيَانِ بِمَاءٍ أَوْ حَطَبِ الْمِلْكِ فِيمَا أَتَوْا بِهِ لِلْمُرْسَلِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ تَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ لَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ أَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُ وَلِيِّهِ الْمَذْكُورِ فَالْمَالِكُ فِيهِ لَهُ فَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ وَالِدًا أَخْذُهُ إلَّا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فَالْمَالِكُ فِي أَخْذِهِ وَصَرْفِ بَدَلِهِ أَوْ هُوَ عَلَى الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: عَدَمُ حُرْمَةِ صَبِّهِ) أَيْ بِخِلَافِ السَّمَكِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِيهِ بَعْدَ أَخْذِهِ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ الْآتِي رَمْيِ الْمَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَدَّ السَّمَكِ إلَيْهِ بَعْدُ يُعَدُّ تَضْيِيعًا لَهُ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ أَخْذِهِ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ) وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ ضَيَاعًا لَهُ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُصُوصَ مُرَادِهِ (قَوْلُهُ: فِي كِيزَانِ دُولَابِهِ) فِي تَجْرِيدِ الْمُزَجَّدِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ كُوزًا وَجَمَعَ فِيهِ مَاءً

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَنْعُ مَنْ أَرَادَ السَّقْيِ: أَيْ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّقْيِ لَوْ أَحْيَا. (قَوْلُهُ: يُقَالُ عَلَيْهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ صَرِيحَ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ لِلِاعْتِرَاضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَحَاصِلُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الشِّهَابَ حَجّ لَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى التَّقْدِيرِ بِالْكَعْبَيْنِ قَالَ: وَالتَّقْدِيرُ بِهِمَا هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَاعْتَرَضُوا بِأَنَّ الْوَجْهَ إلَى قَوْلِهِ وَالْخَبَرُ جَارٍ عَلَى عَادَةِ الْحِجَازِ، وَأَقَرَّ الِاعْتِرَاضَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: قِيلَ النَّخْلُ إنْ أَفْرَدَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ إلَخْ، فَقَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ رَاجِعٌ لِلْقِيلِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَخْفَى، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصَرَّفَ فِي عِبَارَتِهِ بِمَا تَرَى مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِمَا تَقَرَّرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>