لَمَا أَمَرَ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
لَا يُقَالُ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَا أَمَرَ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: غُسْلُ الطَّاهِرِ مَعْهُودٌ فِي الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّجِسِ، عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تَكْرِيمُهُ وَإِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ عَنْهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] الْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ أَنَّا نَجْتَنِبُهُمْ كَالنَّجَاسَةِ لَا نَجَاسَةَ الْأَبَدَانِ، وَلِهَذَا «رَبَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسِيرَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ مَيْتَةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتِ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ: وَفِي غَيْرِ الشَّهِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى طَهَارَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ السَّمَكُ طَافِيًا وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَسَوَاءٌ أَمَاتَا بِاصْطِيَادٍ أَمْ بِقَطْعِ رَأْسٍ وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَمْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ» .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» .
وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ جَرَادَةٌ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
(وَ) الْمُسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ نَجِسٌ فَمِنْهُ (دَمٌ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ سَمَكٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] أَيْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الزِّيَادِيِّ.
وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.
أَقُولُ: وَيُوَجَّهُ بِمَا وُجِّهَ بِهِ طَهَارَةُ الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْآدَمِيِّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالْآدَمِيِّ، وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْكَافِرِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا وَنَظَائِرِهِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرِ بَلْ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّجَسِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ عَظْمَ الْمَيْتَةِ إذَا تَنَجَّسَ بِمُغَلَّظَةٍ وَأُرِيدَ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ لِيَرْجِعَ لِأَصْلِهِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّجَسَ لَمْ يُعْهَدْ غَسْلُهُ لِلتَّطْهِيرِ.
وَبِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ صَرَّحَ سم عَلَى حَجّ فِيمَا يَأْتِي حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَّعَ وَتَرَّبَ إلَخْ، يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ مَا لَوْ بَالَ كَلْبٌ عَلَى عَظْمِ مَيْتَةِ غَيْرِ الْمُغَلَّظَةِ فَغُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهَا بِتُرَابٍ فَهَلْ يَطْهُرُ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ، حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا رَطْبًا مَثَلًا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ لِتَسْبِيعٍ؟ وَالْجَوَابُ لَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْبِيعِ ذَلِكَ الثَّوْبِ اهـ.
لَكِنْ فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْإِنَاءِ الْعَاجِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ نَحْوُهُ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِتُرَابٍ، فَهَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ تَطْهِيرِهِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَاجَ يَطْهُرُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ اهـ مِنْ بَابِ الْأَوَانِي وَهُوَ الْأَقْرَبُ.
(قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ إلَخْ) لَمْ يَتَقَدَّمْ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي كَلَامِهِ فِي مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَكَذَا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ فِي الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الشَّهِيدِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: طَافِيًا) بِأَنْ ظَهَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: حَتْفَ أَنْفِهِ) أَيْ بِأَنْ مَاتَ بِلَا جِنَايَةٍ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبِي أَوْفَى) هُوَ بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ " أَبُو أَوْفَى " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورًا اسْمُهُ عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدٍ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ) يُفِيدُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَرْفُوعًا، وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ حَيْثُ قَالَ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْقَائِلَ أُحِلَّتْ لَنَا إلَخْ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، وَرِوَايَةُ رَفْعِ ذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَحْمَدُ: إنَّهَا مُنْكَرَةٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَحَلَّبْ) أَيْ سَالَ (قَوْلُهُ: وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) أَيْ وَإِنْ سُحِقَا وَصَارَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْهُ لِطَهَارَةِ الْكَافِرِ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ فِي النَّجَاسَةِ بِالْمَوْتِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ طَهَارَةُ الْمُسْلِمِ فَالْكَافِرُ مِثْلُهُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِحِ وَإِلَّا فَابْنُ الْعَرَبِيِّ قَبْلَ الزَّرْكَشِيّ بِكَثِيرٍ، وَالْعِبَارَةُ تُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ