كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ «زِنْ وَأَرْجِحْ» لِأَنَّ الرُّجْحَانَ الْمَجْهُولَ وَقَعَ تَابِعًا لِمَعْلُومٍ، عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُ الْمُرَادِ " بِأَرْجَحْ " تَحَقُّقَ الْحَقِّ حَذَرًا مِنْ التَّسَاهُلِ فِيهِ، وَلَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَالِ الَّذِي جَاءَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ خُذْ مِنْهُ» الْحَدِيثَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ، بِخِلَافِ هَدِيَّتِهِ وَصَدَقَتِهِ فَيَصِحَّانِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِعْطَاءُ الْعَبَّاسِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ لَا هِبَةٌ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ (إلَّا حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ بَيْعُهَا لَا هِبَتُهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، فَبَحْثُ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَتِهَا مَرْدُودٌ وَإِنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِمَامُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ فِي تَصَدُّقِ الْإِنْسَانِ بِالْمُحَقِّرِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَإِلَّا فِي مَالِ وَقْفٍ بَيْنَ جَمْعٍ لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّهِ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ لِلضَّرُورَةِ: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ، وَلِبَعْضِهِمْ إخْرَاجُ نَفْسِهِ مِنْ الْبَيِّنِ، لَكِنْ إنْ وَهَبَ لَهُمْ حِصَّتَهُ جَازَ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَيْضًا، بِخِلَافِ إعْرَاضِ الْغَانِمِ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ، وَلَا عَلَى احْتِمَالٍ بِخِلَافِ هَذَا وَلِوَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَمَّا بِيَدِهِ كَمَا يَعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قُبَيْلَ خِيَارِ النِّكَاحِ، وَإِلَّا فِيمَا لَوْ خَلَطَ مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ غَيْرِهِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا فِيمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ أَوْ تُعْطِي أَوْ تَأْكُلُ مِنْ مَالِي فَلَهُ الْأَكْلُ فَقَطْ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَرْضَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ.
(قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ) أَيْ وَهُوَ الْهِبَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ) قَدْ يَمْنَعُ كَوْنَهُ صَدَقَةً إذْ هُوَ مَالٌ لِبَيْتِ الْمَالِ وَتَصَرُّفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ كَتَصَرُّفِ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إعْطَاؤُهُ تَصَدُّقًا مِنْهُ نَافَاهُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ " لَا هِبَةٌ " نَصُّهَا: وَإِلَّا فَهُوَ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ مَا يَأْتِي لَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ مِلْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهُ لِلْعَبَّاسِ صَدَقَةً، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ فَمَا يَأْتِي مِنْ الْأَمْوَالِ حَقُّ بَيْتِ الْمَالِ وَالْعَبَّاسُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَهُمْ فِي الْإِعْطَاءِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْحِنْطَةِ.
(قَوْلُهُ: عَدَمُ صِحَّةِ هِبَتِهَا) أَيْ نَحْوَ الْحَبَّتَيْنِ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ النَّحْوُ مِنْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهَا كَمَا فِي حَجّ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْبَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلِوَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ الصُّلْحُ) عَنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عَمَّا بِيَدِهِ يُتَأَمَّلُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الْمَالَ قَدْ لَا يَكُونُ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِيمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ بِغَيْرِ صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنْ يَقُولَ وَلَوْ قَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا إلَخْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ بِالنَّظَرِ لِمَا يَأْكُلُهُ هِبَةٌ صُورَةً (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَكْلُ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: مَا قَدْرُهُ.
أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ حَيْثُ عَلِمَ الْمَالِكُ بِحَالِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِعْطَاءُ الْعَبَّاسِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَإِعْطَاءُ الْعَبَّاسِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ لَا هِبَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِلْمُعْطِي أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُهُ: وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَا يَكُنْ صَدَقَةً، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إمَّا صَدَقَةً إنْ كَانَ الْمَالُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا بِطَرِيقِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ لِكَوْنِهِ إلَخْ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلًا لِكَوْنِهِ صَدَقَةً؛ لِمُنَافَاتِهِ إيَّاهُ (قَوْلُهُ: وَلِوَلِيِّ مَحْجُورٍ الصُّلْحُ) أَنَّ فِيمَا هُوَ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِلْجَهْلِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَمَّا بِيَدِهِ) حَاصِلُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْمَحْجُورَ تَارَةً يَكُونُ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ، وَتَارَةً لَا، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْهُ فَشَرْطُ الصُّلْحِ أَنْ لَا يَنْقُصَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ التَّبَرُّعُ بِمِلْكِ الْمَحْجُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ جَازَ الصُّلْحُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ الْمَحْذُورِ فَلَا تَوَقُّفَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ حِلِّ الْأَكْلِ لَا لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute