للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَوَهَبْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فِي ذِمَّتِي غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ عَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبَضَهُ، وَالْمَرِيضُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِوَارِثِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا هِبَتِهِ بَلْ يَكُونُ وَصِيَّةً، وَالْوَلِيُّ وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا لَا هِبَتُهُمَا، وَالْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مُعْسِرًا وَاسْتَوْلَدَهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ لَا هِبَتُهَا وَلَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.

وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْهِبَةِ أَمْرٌ خَارِجِيٌّ فِي الْعَاقِدِ وَطَرَأَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا إيرَادَ، كَمَا لَا يَرِدُ أَيْضًا مَا لَوْ أَعْطَى لَبَنَ شَاةٍ مَجْعُولَةٍ أُضْحِيَّةً أَوْ صُوفَهَا لِآخَرَ أَوْ تَرَكَ لَهُ حَقَّ التَّحَجُّرِ أَوْ أَعْطَاهُ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَوْ دُهْنًا نَجِسًا لِلِاسْتِصْبَاحِ بِهِ أَوْ تَرَكَتْ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ نَوْبَتَهَا لِلْأُخْرَى أَوْ أَعْطَى الطَّعَامَ الْمَغْنُومَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمِثْلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ هِبَةُ تَمْلِيكٍ وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلُ يَدٍ أَوْ حَقٌّ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ، وَمَنْ سَمَّاهَا هِبَةً أَرَادَ أَنَّهُ عَلَى صُورَتِهَا، وَالثَّمَرُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ تَصِحُّ هِبَتُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَهِبَةِ أَرْضٍ مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ، صَحِيحَةٌ فِي الْأَرْضِ لِانْتِفَاءِ الْمُبْطِلِ لِلْبَيْعِ فِيهِمَا مِنْ الْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّهُمَا مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ التَّوْزِيعِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَارِدٌ عَلَى الضَّابِطِ لِجَوَازِ هِبَتِهِ دُونَ بَيْعِهِ مَرْدُودٌ.

(وَمَا لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ (كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ) لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ (وَضَالٍّ) وَآبِقٍ (فَلَا) يَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَى الثَّانِي أَيْ إنَّهَا تَمْلِيكٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا فِي الذِّمَّةِ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا جَازَ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَيَّنَهُ فِي الْمَجْلِسِ) تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْقَرْضِ صِحَّةُ مِثْلِ هَذَا، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الْقَرْضَ لِوُجُوبِ رَدِّ الْعِوَضِ فِيهِ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ.

وَهُوَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَعَدَمِ صِحَّةِ هِبَتِهِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لَا هِبَتُهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُمَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا وَهَذَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لَا هِبَتُهَا) فِي عَدَمِ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُعْسِرِ لِلْمُرْتَهِنِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْمُعْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْوِيتِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَبُولِهِ لِلْهِبَةِ مُتَضَمِّنٌ لِرِضَاهُ بِهَا، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هِبَةُ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُعْسِرِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا إعْتَاقٌ مِنْ الرَّاهِنِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَوْ سَبَقَ مِنْهُ إعْتَاقٌ أَوْ إيلَادٌ، وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ صِحَّةِ الْهِبَةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ الْإِعْتَاقِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْمَرْهُونِ، وَفِي حَجّ: فَرْعٌ: أَعْطَى آخَرَ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا عِمَامَةً مَثَلًا وَلَمْ تَدُلَّ قَرِينَةُ حَالِهِ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ مُجَرَّدُ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ لَزِمَهُ شِرَاءُ مَا ذُكِرَ وَإِنْ مَلَكَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُقَيَّدٌ بِصَرْفِهِ فِيمَ عَيَّنَهُ الْمُعْطِي، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ صَرْفِهِ فِي ذَلِكَ انْتَقَلَ لِوَرَثَتِهِ مِلْكًا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِزَوَالِ التَّقْيِيدِ بِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الْمُوصَى بِعَلَفِهَا قَبْلَ الصَّرْفِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَالِكُهَا كَيْفَ شَاءَ وَلَا يَعُودُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا ذَلِكَ بَطَلَ الْإِعْطَاءُ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَرِيحٌ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَمْرٌ خَارِجِيٌّ) اُنْظُرْ مَا هُوَ فِيمَا لَوْ وَهَبَ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ (قَوْلُهُ: لِمِثْلِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْغَانِمِينَ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ قَبْل بُدُوِّ صَلَاحِهِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ) أَيْ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَيُكَلَّفُ الْمُتَّهِبُ قَطْعَهُ حَالًا حَيْثُ طَلَبَهُ الْوَاهِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى إبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ) كَالْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِالزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ مَعَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعَهُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ قَبْلُ: وَالثَّمَرُ وَنَحْوُهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: صَحِيحَةٌ فِي الْأَرْضِ) أَيْ دُونَ الْبَذْرِ وَالزَّرْعِ.

(قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ) أَيْ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ لِمَانِعٍ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِوَفَاءِ الْحَقِّ الَّذِي تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْهِبَةِ أَمْرٌ خَارِجِيٌّ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُهُ فِي الْأُولَى. (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَرِدُ أَيْضًا) أَيْ: عَلَى قَوْلِهِ الْآتِي وَمَا لَا فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>