للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِمَنْ يَعْرِفُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ (وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَرْتُكَ) كَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ (فَكَذَا) هُوَ هِبَةٌ (فِي الْجَدِيدِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» وَجَعْلُهَا لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ لَا يُنَافِي انْتِقَالَهَا لِوَرَثَتِهِ فَإِنَّ الْأَمْلَاكَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَيَاةِ الْمَالِكِ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَإِذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْت فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ قَالَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ، وَالْقَدِيمُ بُطْلَانُهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ سَنَةً (وَلَوْ قَالَ) أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ أَوْ جَعَلْتُهَا لَك عُمْرَك، وَأَلْحَقَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَهَبْتُك هَذِهِ عُمْرَك (فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إلَيَّ) أَوْ إلَى وَرَثَتِي إنْ كُنْت مِتَّ (فَكَذَا) هُوَ هِبَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) إلْغَاءً لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِهَذَا عَدَلُوا بِهِ عَنْ قِيَاسِ سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، إذْ لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ إلَّا هَذَا.

وَالثَّانِي يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَخَرَجَ بِعُمْرِك عُمْرِي أَوْ عُمَرُ زَيْدٍ فَيَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَأْقِيتٌ إذْ قَدْ يَمُوتُ هَذَا أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوَّلًا (وَلَوْ) (قَالَ أَرْقَبْتُك) هَذِهِ مِنْ الرَّقُوبِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (أَوْ جَعَلْتهَا لَك رُقْبَى) وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ضَمَّ إلَيْهِ مَا بَعْدَ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ فِي قَوْلِهِ (أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ) فَعَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحُّ يَصِحُّ وَيَلْغُو الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا وَالْقَبْضُ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» أَيْ لَا تَرْقُبُوا وَلَا تَعْمُرُوا طَمَعًا فِي أَنْ يَعُودَ إلَيْكُمْ فَإِنَّ سَبِيلَهُ الْمِيرَاثُ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ.

(وَمَا جَازَ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (جَازَ) لَمْ يُؤَنِّثْهُ لِيُشَاكِلَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ تَأْنِيثَهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ (هِبَتُهُ) بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَوْسَعُ.

أَمَّا الْمَنَافِعُ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِالْإِجَارَةِ.

وَفِي هِبَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ تَرْجِيحُهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

ثَانِيهُمَا: أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ أَمَانَةٌ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ.

مِنْهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ، وَفَارَقَتْ الْإِجَارَةُ بِالِاحْتِيَاجِ فِيهَا لِتَقَرُّرِ الْأُجْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ.

لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا تَلْزَمُ بِقَبْضِ الدَّارِ اتِّحَادُهُمَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّا نَمْنَعُ لُزُومَ اتِّحَادِهِمَا، بَلْ لِلْخِلَافِ فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُتَّهِبِ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِهَا عَلَى الثَّانِي، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَائِدَةُ كَوْنِهَا عَارِيَّةً أَنَّهَا لَوْ انْهَدَمَتْ ضَمِنَهَا الْمُتَّهِبُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا غَيْرُ عَارِيَّةٍ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مُرَادًا (قَوْلُهُ إنَّمَا الْعُمْرِيُّ) أَيْ الَّتِي يَقْتَضِي لَفْظُهَا أَنْ يَكُونَ هِبَةً.

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا عَدَلُوا بِهِ) أَيْ بِهَذَا الشَّرْطِ (قَوْلُهُ إلَّا هَذَا) أَيْ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا قِيلَ فِيهِ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ يَجِبُ فَرْضُهُ فِيمَا لَا يَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ مُنَافِيًا لِلْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِعُمْرِك) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ: أَيْ جَعَلْتهَا لَك عُمْرَك.

(قَوْلُهُ: يَرْقُبُ) بَابُهُ دَخَلَ اهـ مُخْتَارٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا تَرْقُبُوا) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ أَرْقُبَ وَأَعْمُرَ مَبْنِيَّانِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَصَحُّ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٌ أُعْمِرَ عُمْرَى فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ لِلَّذِي أَعْطَاهَا» .

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُ وَلَا يُعِيرُ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَ لِعَدَمِ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا.

(قَوْلُهُ: وَفَارَقَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ حَيْثُ عُدَّ فِيهَا قَبْضُ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ، وَقَوْلُهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَجَعَلَهَا لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ) أَيْ: الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: أَعْمَرْتُكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>