للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْإِذْنُ، وَلَوْ قَبَضَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ: رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَهُ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَعْدَهُ صَدَقَ الْمُتَّهِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ قَبْلَهُ، خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ، وَلَوْ أَقْبَضَهُ وَقَالَ قَصَدْت بِهِ الْإِيدَاعَ أَوْ الْعَارِيَّةَ وَأَنْكَرَ الْمُتَّهِبُ صُدِّقَ الْوَاهِبُ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَيَكْفِي الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ كَأَنْ قِيلَ لَهُ: وَهَبْت مِنْ فُلَانٍ كَذَا وَأَقْبَضْته فَقَالَ نَعَمْ، وَالْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَبْضَ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ لِئَلَّا يُتَنَبَّهَ لَهُ.

وَالْهِبَةُ ذَاتُ الثَّوَابِ بَيْعٌ، فَإِذَا أَقْبَضَ الثَّوَابَ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ (فَلَوْ) (مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَّهِبُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ (وَقِيلَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) بِالْمَوْتِ لِجَوَازِهِ كَالشَّرِكَةِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى اللُّزُومِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّرِكَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ مِنْ انْفِسَاخِ الْهَدِيَّةِ بِالْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الْمَدَارَ لَيْسَ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ عَلَى الْأَيْلُولَةِ لِلُّزُومِ وَهُوَ جَارٍ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ أَيْضًا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ قَبْضُهَا قَبْلَ الْإِفَاقَةِ.

(وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ) أَيْ الْأَصْلِ وَإِنْ عَلَا (الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ) أَيْ فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ أَحْفَادًا مَعَ وُجُودِ الْأَوْلَادِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ وَإِنْ خَصَّصَهُ آخَرُونَ بِالْأَوْلَادِ سَوَاءً أَكَانَتْ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ هِبَةً أَمْ هَدِيَّةً أَمْ صَدَقَةً أَمْ وَقْفًا أَمْ تَبَرُّعًا آخَرَ، فَإِنْ تَرَكَ الْعَدْلَ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى حُرْمَتِهِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» وَخَبَرُ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، لِبَنِيك عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، ثُمَّ قَالَ: أَيَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا لَك فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَلَا إذَنْ» فَأَمْرُهُ بِإِشْهَادِ غَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ، وَتَسْمِيَتُهُ جَوْرًا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ انْتِفَاءِ الْعَدْلِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ فَضَّلَ الْبَعْضَ أَعْطَى بَقِيَّتَهُمْ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ وَإِلَّا رَجَعَ نَدْبًا لِلْأَمْرِ بِهِ فِي رِوَايَةٍ.

نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مِنْ الْمَحْرُومِ الرِّضَا وَظَنَّ عُقُوقَ غَيْرِهِ لِفَقْرِهِ وَرِقَّةِ دِينِهِ لَمْ يُسْتَحَبَّ الرُّجُوعُ وَلَمْ يُكْرَهْ التَّفْضِيلُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَاسِقًا لِئَلَّا يَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ عَاقًّا أَوْ زَادَ أَوْ آثَرَ الْأَحْوَجَ أَوْ الْمُتَمَيِّزَ بِنَحْوِ فَضْلٍ كَمَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ مَعَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ حُكْمَ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالرُّجُوعِ فِي هِبَتِهِ حُكْمُ مَا لَوْ خَصَّهُ بِالْهِبَةِ فِيمَا مَرَّ، وَأَفْهَمَ قَوْلَهُ عَطِيَّةُ عَدَمِ طَلَبِ التَّسْوِيَةِ فِي غَيْرِهَا كَتَوَدُّدٍ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الدَّمِيرِيِّ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَلَبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، إذْ كَثِيرًا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي الْإِعْطَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تَمَامِهِ وَلَوْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْقَبْضِ، وَلَوْ قِيلَ بِمَجِيءِ تَفْصِيلِ الرَّجْعَةِ فِيهِ لَمْ يَبْعُدْ، فَيُقَالُ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرُّجُوعِ صَدَقَ الْمُتَّهِبُ، وَفِي عَكْسِهِ يَصْدُقُ الْوَاهِبُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ يَصْدُقُ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صِدْقَ الْمُتَّهِبِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَبْضَ) نَعَمْ يَكْفِي عَنْهُ: أَيْ الْقَبْضِ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَلَكَهَا الْمُتَّهِبُ مِلْكًا لَازِمًا كَمَا مَرَّ أَوَاخِرَ الْإِقْرَارِ اهـ حَجّ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا لَازِمَا فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ عَنْهُ) أَيْ الْقَبْضِ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعَالِمِ بِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ (قَوْلُهُ: اسْتَقَلَّ) أَيْ الْمُتَّهِبُ.

(قَوْلُهُ: وَيَجْرِي الْخِلَافُ) وَالرَّاجِحُ مِنْهُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَفَلُوا) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا.

(قَوْلُهُ: كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَرِقَّاءِ إذَا اسْتَوَوْا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَضَلَ الْبَعْضُ أَعْطَى) أَيْ الْمُعْطِي.

(قَوْلُهُ: حَتَّى فِي الْكَلَامِ) أَيْ وَالْقِبْلَةِ حَجّ اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>