الرُّجُوعِ زَاعِمًا أَنَّ مُوجِبَهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ فَحَادِثَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وُجِدَتْ بَعْدَ حُكْمِ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ تَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ، وَكَيْف يُعْقَلُ أَنْ يَسْبِقَ السَّيْلُ الْمَطَرَ وَالْحَصَادُ الزِّرَاعَةَ وَالْوِلَادَةُ الْإِحْبَالَ، فَهِيَ وَاقِعَةُ فَتْوَى كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا حَكَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، إذْ قَوْلُهُ بِمُوجِبِهِ مِنْ قَوْلِهِ حَكَمْت بِمُوجِبِهِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَهُوَ عَامٌّ وَمَدْلُولُهُ كُلِّيَّةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَكَمْت بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَبِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ مُقْتَضَيَاتِهِ سَوَاءٌ فِيهَا مَا وَقَعَ وَمَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَقَدْ قَالَ أَئِمَّتُنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَقْدَ الصَّادِرَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي مُوجِبِهِ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَكَمَ بِهَا، وَلَوْ حَكَمَ الْأَوَّلُ بِالْمُوجِبِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ، مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمُوجِبُهُ إذَا كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنِعَ الْبَيْعُ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَّبَّرِ
وَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ التَّدْبِيرِ امْتَنَعَ الْبَيْعُ، وَإِذَا حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إثْبَاتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا فَسْخَ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يُجَامِعُ ذَلِكَ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ تَمْكِينُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي حَكَمَ بِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ النَّقْضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَسَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ، وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ تَمْكِينِ الْجَارِ مِنْ أَخْذِ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِصِحَّةِ الْقَرْضِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عِنْدَ حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا: أَيْ الْحَنَفِيِّ، وَقَوْلُهُ إذْ قَوْلُهُ: أَيْ الشَّافِعِيِّ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِيهَا) أَيْ مُقْتَضَيَاتُهُ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ: أَيْ الشَّافِعِيُّ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى: أَيْ كَالشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُهُ امْتَنَعَ الْبَيْعُ: أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ: أَيْ الْمَالِكِيُّ، وَقَوْلُهُ نَقَضَ حُكْمُ الْحَاكِمِ: أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَهُمَا الِانْفِرَادُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ: أَيْ لُزُومُ الْعَقْدِ،
[حاشية الرشيدي]
التَّعْلِيلُ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا حَكَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ) نَصُّ مَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَقْدَ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا الْأَوَّلِ ثَانِيًا وَلَا ثَالِثًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِوُجُوهٍ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالِاتِّفَاقِ هُنَا، وَفِيمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ مُخْتَلِفًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: لَا يُمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ) يَعْنِي مَا يُخَالِفُهُ فِي الْمُوجِبِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) إنَّمَا قَيَّدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيِّ، أَمَّا إذَا كَانَ مُقَيَّدًا كَمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ: إذَا مِتّ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ مَثَلًا فَالْحَنَفِيُّ يُوَافِقُنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ تَمْكِينُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُنْقَضُ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ نُقِضَ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ تَمْكِينِ الْجَارِ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ: مَا مَعْنَى حُكْمِنَا عَلَى الْحَنَفِيِّ بِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ أَحْكَامَنَا، وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ ذَلِكَ الْحُكْمَ إلَيْنَا نَقَضْنَاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَبَعًا لِوَالِدِهِ، وَذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّا نَلْتَزِمُ مُوجِبَ حُكْمِ الْمُخَالِفِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَاهُ؛ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يَرَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ يَتَنَاوَلُ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَقْبَلَةَ مَعَ وُجُوبِ الْتِزَامِنَا لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأَمْثِلَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ الشِّهَابُ حَجّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْتِزَامِ الْمُوجِبِ حُكْمُ الْمُخَالِفِ إذَا كَانَ يَقُولُ بِهِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِصِحَّةِ الْقَرْضِ إلَخْ) يُوجَدُ هُنَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ سَقْطٌ، وَعِبَارَةُ فَتَاوَى وَالِدِهِ الَّتِي هَاهُنَا نَصُّ مَا فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute