إذْ هُوَ قَرْضٌ صَحِيحٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ الرُّجُوعُ فِي الْقَرْضِ، وَإِنْ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَرْضِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ، وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا لِمَنْ يَرَى فَسْخَ الرَّهْنِ بِالْعَوْدِ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يُعِيدَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيَفُوتَ الْحَقُّ فِيهِ بِإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ.
مَثَلًا أَنْ يَفْسَخَهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْفَسْخِ بِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَا مَرَّ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَوَامُ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ الْعَوْدِ مُطْلَقًا، فَالْحُكْمُ بِالْفَسْخِ لِأَجْلِ الْعَوْدِ الْمَذْكُورِ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِمُوجِبِهِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِيُعْلَمَ مِنْهَا فَسَادُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِنَا تَبَعًا لَلْعِرَاقِيِّ فِي مَسْأَلَةِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ مَالِكِيٌّ بِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَزْوِيجِهَا، وَأَنَّ مَا مَرَّ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْتَاءِ مِنْ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ زَاعِمًا أَنَّ السَّرَخْسِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَنْ ذَلِكَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إجْمَاعَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّقُولِ صَرِيحٌ فِي رَدِّ دَعْوَاهُ (لَا بِرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فِيهِمَا لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ بِخِلَافِهِمَا بَعْدَهُ، وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ الْوَاهِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِزَوَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ أَوْ لِابْنِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الْجَدِّ أَوْ الْأَبِ وَلَا بِنَحْوِ غَصْبِهِ أَوْ إبَاقِهِ
وَلَوْ مَرِضَ الِابْنُ وَرَجَعَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ اتَّجَهَ صِحَّةُ رُجُوعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُهُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ إذْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَنَحْوِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجْرِ الْفَلْسِ بِأَنَّهُ أَقْوَى لِمَنْعِهِ التَّصَرُّفَ وَإِيثَارِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ وَالْمَرَضِ إنَّمَا يَمْنَعُ الْمُحَابَاةَ وَلَا يَمْنَعُ الْإِيثَارَ (وَلَا) بِنَحْوِ (تَعْلِيقِ عِتْقِهِ) وَتَدْبِيرِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ (وَتَزْوِيجِهَا وَزِرَاعَتِهَا) لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ (وَكَذَا الْإِجَارَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِبَقَاءِ الْعَيْنِ بِحَالِهَا وَمَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ فَيَسْتَوْفِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَوْلُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الْحَنَفِيِّ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ: أَيْ السَّرَخْسِيَّ.
(قَوْلُهُ: صَرِيحٌ فِي رَدِّ دَعْوَاهُ) فِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ صَرِيحًا فِي رَدِّ دَعْوَاهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، لِأَنَّ مُحَصِّلَ مَا نَقَلَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوجِبِ كَوْنُهُ مَوْجُودًا بَلْ الْحُكْمُ بِهِ يَشْمَلُ الْمَوْجُودَ وَالثَّمَرَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ حُكْمًا لِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ وُقُوعُهُ فِي جَوَابِ دَعْوَى مُلْزِمَةٍ حَتَّى يَقَعَ الْحُكْمُ فِي جَوَابِهَا.
نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَالِكِيُّ لَا يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ مَا ذُكِرَ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَهِنُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ.
(قَوْلُهُ: فَيَسْتَوْفِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لِلْوَاهِبِ بِشَيْءٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ اهـ حَجّ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَلَوْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِصِحَّةِ الْقَرْضِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِي الْقَرْضِ، وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ امْتَنَعَ عَلَى الْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ الْمُقْرَضَةِ الْبَاقِيَةِ عِنْدَ الْمُقْتَرِضِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَرْضِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَبِفَوْتِ الْحَقِّ فِيهِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالْعَوْدِ. (قَوْلُهُ: صَرِيحٌ فِي رَدِّ دَعْوَاهُ) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ مَا نَصُّهُ: فِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ صَرِيحًا فِي رَدِّ دَعْوَاهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ مُحَصِّلَ مَا نَقَلَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوجِبِ كَوْنُهُ مَوْجُودًا، بَلْ الْحُكْمُ بِهِ يَشْمَلُ الْمَوْجُودَ وَالثَّمَرَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةَ، وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ حُكْمًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ وُقُوعُهُ فِي جَوَابِ دَعْوَى مُلْزَمَةٍ حَتَّى يَقَعَ الْحُكْمُ فِي جَوَابِهَا.
نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَالِكِيُّ لَا يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ مَا ذُكِرَ اُتُّجِهَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ انْتَهَى مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ.
وَهُوَ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي اسْتِحَالَةِ الدَّعْوَى هُنَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ هَذَا مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ دَعْوَى الْحِسْبَةِ إذَا أَرَادَ التَّزْوِيجَ بِمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى نِكَاحِهَا بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَيُرِيدُ التَّزْوِيجَ بِمَنْ عَلَّقَ عَلَيْهَا وَمُعَاشَرَتَهَا فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ الْمَالِكِيُّ بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ فَتَدَبَّرْ.