لِغَيْرِ وَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ) مَعَ عَدَمِ فِسْقِهِ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ أَوْ طُرُوُّ الْخِيَانَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ يُفَارِقُ هَذَا لِأَنَّ الْخَوْفَ أَقْوَى فِي التَّوَقُّعِ، رَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَدَارَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ عَنْ قُرْبٍ وَلَوْ احْتِمَالًا ضَيَاعُهَا (وَيَجُوزُ لَهُ) مَعَ ذَلِكَ الِالْتِقَاطُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ خِيَانَتَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا كَالْوَدِيعَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ سُرَاقَةَ.
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ خَشْيَةَ اسْتِهْلَاكِهَا.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا الِالْتِقَاطُ (لِفَاسِقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَخُونُ فِيهَا (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الِالْتِقَاطِ) كَالْوَدِيعَةِ إذَا قَبِلَهَا.
نَعَمْ يُسْتَحَبُّ وَلَوْ لِعَدْلٍ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْخِيَانَةِ وَوَارِثُهُ مِنْ أَخْذِهَا اعْتِمَادًا لِظَاهِرِ الْيَدِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدٍ، وَأَمْرُهُ بِهِ فِي خَبَرِ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، يُرَدُّ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْوَدِيعَةِ أَوْجَبَ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ، لَا سِيَّمَا وَصَرَفَهُ عَلَى الْوُجُوبِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهَا ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ» فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْعَدْلَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ الْعَدْلُ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَذْكُرُ فِي الْإِشْهَادِ بَعْضَ صِفَاتِهَا وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ.
وَلَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْهُ عِلْمَ ظَالِمٍ بِهَا وَأَخْذَهُ لَهَا امْتَنَعَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي اللَّقِيطِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ أَهَمُّ، وَيُسَنُّ الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهُ يَصِحُّ) (الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ) وَالْمُرْتَدِّ إنْ قُلْنَا: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالسَّفِيهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ فِي وَقَوْلِهِ وَيُكْرَهُ لِفَاسِقٍ إذْ مُرَادُهُ بِالصِّحَّةِ هُنَا أَنَّ أَحْكَامَ اللُّقْطَةِ هَلْ تَثْبُتُ لَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِغَيْرِ وَاثِقٍ بِأَمَانَةٍ) أَيْ وَيَكُونُ مَكْرُوهًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا ضَاعَتْ عَلَى مَالِكِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ ذَلِكَ وَكَانَ وَاثِقًا بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ أَخْذِهَا لِأَنَّ ذَاكَ مَفْرُوضٌ فِي الْأَمِينِ وَهَذَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ وَحُرْمَةِ الْخِيَانَةِ فِيهَا لَمْ يَبْعُدْ.
(قَوْلُهُ: قَبُولُهَا) أَيْ بِمَعْنَى أَخْذِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَنْسَبَ، وَبِهِ عَبَّرَ حَجّ.
(قَوْلُهُ لِفَاسِقٍ) أَيْ وَلَوْ بِنَحْوِ تَرْكِ صَلَاةٍ وَإِنْ عُلِمَتْ أَمَانَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ حَجّ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَابَ لَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْتِفَاءِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْخِيَانَةِ حَالَ الْأَخْذِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِعَدْلٍ) أَيْ وَلَوْ لِمُلْتَقِطٍ عَدْلٍ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ فِيمَنْ يُشْهِدُهُ بِالْمَسْتُورِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَالنِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَشْتَهِرُ غَالِبًا بَيْنَ النَّاسِ فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْمَسْتُورِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِشْهَادِ هُنَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْخِيَانَةِ فِيهَا وَجَحْدِ الْوَارِثِ لَهَا فَلَمْ تَكْتَفِ بِالْمَسْتُورِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْخَصْلَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الْخَبَرِ الثَّانِي وَهِيَ الْإِشْهَادُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ) أَيْ وَلَا يَضْمَنُ وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ اسْتَوْعَبَ الْأَوْصَافَ فِي التَّعْرِيفِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِحَصْرِ الشُّهُودِ وَعَدَمِ تُهْمَتِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْهُ) أَيْ الْإِشْهَادِ.
(قَوْلُهُ: امْتَنَعَ) أَيْ وَضَمِنَ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ م ر: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ اسْتِيعَابَهَا لِلشُّهُودِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهَا حَرُمَ وَضَمِنَ، وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
اعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي خَصَّهُ الْغَزَالِيُّ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التُّحْفَةِ، وَعِبَارَتِهَا: وَقَالَ جَمْعٌ: بَلْ نُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا لَوْ تَرَكَهَا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَخَصَّهُ الْغَزَالِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَعِبَ فِي حِفْظِهَا إلَخْ.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ الَّذِي خَصَّهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ وُجُوبِهَا إلَخْ إذْ الْبَعْضُ هُوَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْغَزَالِيِّ بِكَثِيرٍ
(قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْوَدِيعَةِ فَهُوَ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ