وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا تَحْرِيمًا خِلَافًا لِجَمْعٍ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِمَسْجِدٍ كَإِنْشَادِهَا فِيهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُ لُقَطَةِ الْحَرَمِ، فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ مَحْضُ عِبَادَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُعَرِّفَ فِيهِ مُتَّهَمٌ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ أَلْحَقَ بِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَعَلَى تَنْظِيرِ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَعْمِيمِ ذَلِكَ لِغَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ (وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمَحَافِلِ وَالْمَجَامِعِ وَمَحَالِّ الرِّجَالِ وَلِيَكُنْ أَكْثَرُهُ بِمَحِلِّ وُجُودِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا بَلْ يَدْفَعُهَا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا ضَمِنَ.
نَعَمْ لِمَنْ وَجَدَهَا بِالصَّحْرَاءِ تَعْرِيفُهَا لِمَقْصِدِهِ قَرُبَ أَمْ بَعُدَ اسْتَمَرَّ أَمْ تَغَيَّرَ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ أَقْرَبُ الْبِلَادِ لِمَحِلِّهَا وَاخْتِيرَ وَإِنْ جَازَتْ بِهِ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَهَا، وَلَوْ وَجَدَ بِبَيْتِهِ دِرْهَمًا مَثَلًا وَجَوَّزَ كَوْنَهُ لِمَنْ يَدْخُلُهُ عَرَّفَهُ لَهُمْ لِلْمُقَرِّ، قَالَهُ الْقَفَّالُ.
وَيَجِبُ فِي غَيْرِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ أَنْ يُعَرَّفَ (سَنَةً) مِنْ وَقْتِ التَّعْرِيفِ تَحْدِيدًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ غَالِبًا كَالذِّمِّيِّ فِيهَا الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ سَنَةً لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَوْ جَعَلَ التَّعْرِيفَ أَبَدًا لَامْتَنَعَ مِنْ الْتِقَاطِهَا فَكَانَتْ السُّنَّةُ مَصْلَحَةً لِلْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ سَنَةٍ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ التَّمَلُّكِ لَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُعَرِّفُهَا كُلٌّ سَنَةً لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ كَلُقَطَةٍ كَامِلَةٍ، وَقَدْ يَجِبُ التَّعْرِيفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سَنَتَيْنِ بِأَنْ يُعَرِّفَ سَنَةً قَاصِدًا حِفْظَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ ثُمَّ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ فَيَلْزَمُهُ مِنْ حِينَئِذٍ سَنَةٌ أُخْرَى، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُ السَّنَةِ بَلْ يَكُونُ (عَلَى الْعَادَةِ) زَمَنًا وَمَحِلًّا وَقَدْرًا (يُعَرِّفُ أَوَّلًا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ طَرَفَيْ النَّهَارِ) أُسْبُوعًا (ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً) طَرَفَهُ إلَى أَنْ يُتِمَّ أُسْبُوعًا آخَرَ (ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ) مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ: أَيْ إلَى أَنْ يُتِمَّ سَبْعَةَ أَسَابِيعَ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ (ثُمَّ) فِي كُلِّ (شَهْرٍ) مَرَّةً بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّ الْأَخِيرَ تَكْرَارٌ لِلْأَوَّلِ وَزِيدَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُوَلِ؛ لِأَنَّ تَطَلُّبَ الْمَالِكِ فِيهَا أَكْثَرُ وَتَحْدِيدَ الْمَرَّتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا بِمَا ذُكِرَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ يُعَرِّفُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَفِي مِثْلِهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَفِي مِثْلِهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَفِي مِثْلِهَا كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً،
وَالْأَقْرَبُ أَنَّ هَذَا التَّحْدِيدَ كُلَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا الْوُجُوبِ كَمَا يُفْهِمُهُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ تَكْفِي سَنَةٌ مُفَرَّقَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ التَّفْرِيقُ بِقَيْدِهِ الْآتِي (وَلَا تَكْفِي سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ) كَأَنْ يُعَرِّفَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ السَّنَةِ فِي الْخَبَرِ التَّوَالِي، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً (قُلْت: الْأَصَحُّ يَكْفِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْحَلِفِ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ الِامْتِنَاعُ وَالزَّجْرُ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِدُونِ التَّوَالِي، وَمَحِلُّ هَذَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا يُفْحِشَ التَّأْخِيرَ بِحَيْثُ يَنْسَى التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَاعْتَبَرَ الْإِمَامُ وُجُوبَ بَيَانِ مَحِلِّ وُجْدَانِهَا فِي التَّعْرِيفِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ أَثْنَاءَ التَّعْرِيفِ بَنَى وَارِثُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا: أَيْ التَّعْرِيفُ.
(قَوْلُهُ: لُقَطَةِ الْحَرَمِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَهَا قَبْلَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ وَأَرَادَ تَعْرِيفَهَا فِيهِ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: مَحْضُ عِبَادَةٍ) أَيْ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ الْحَاكِمِ) أَيْ فِي الدَّفْعِ.
(قَوْلُهُ: بِمَقْصِدِهِ) أَيْ بَلَدِهِ، وَقَوْلُهُ قَرُبَ أَمْ بَعُدَ مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ بِتَرْكِ تَكْلِيمِهِ سَنَةً مُتَفَرِّقَةً بَلْ لَا بُدَّ لِعَدَمِ الْحِنْثِ مِنْ تَرْكِ تَكْلِيمِهِ سَنَةً كَامِلَةً.
(قَوْلُهُ: بَيَانُ مَحِلِّ وُجْدَانِهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ زَمَانُ بَدَلَ مَحِلٍّ: أَيْ بِأَنْ يَقُولَ فِي تَعْرِيفِهِ مَنْ ضَاعَتْ لَهُ لُقَطَةٌ بِمَحِلِّ كَذَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلْيَكُنْ أَكْثَرُهُ بِمَحِلِّ وُجُودِهَا، وَقَوْلُهُ رَادًّا قَوْلَ شَيْخِهِ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) أَيْ: فِي لُقَطَتِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ التَّعْرِيفِ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ يُعَرِّفَ، (قَوْلُهُ: وَمَحَلًّا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَاهُ هُنَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُتِمَّ سَبْعَةَ أَسَابِيعَ) التَّعْبِيرُ بِيُتِمَّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ السَّبْعَةِ الْأُسْبُوعَانِ الْأَوَّلَانِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّ الْأَخِيرَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ هُنَا