قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ مَحِلَّ الْتِقَاطِهَا وَ (جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) الشَّامِلَ لِنَوْعِهَا (وَقَدْرَهَا) بِعَدٍّ أَوْ وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ ذَرْعٍ (وَعِفَاصَهَا) أَيْ وِعَاءَهَا تَوَسُّعًا إذْ أَصْلُهُ جِلْدٌ يَلْبِسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْقَامُوسِ مُصَرِّحَةٌ بِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوِعَاءِ الَّذِي فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغِلَافِ الْقَارُورَةِ وَالْجِلْدِ الَّذِي يُغَطَّى رَأْسُهَا بِهِ (وَوِكَاءَهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالْمَدِّ: أَيْ خَيْطَهَا الْمَشْدُودَ بِهِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْرِفَةِ هَذَيْنِ وَقِيسَ بِهِمَا غَيْرُهُمَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا وَلِيُعْرَفَ صِدْقُ وَاصِفِهَا، وَيُسْتَحَبُّ تَقْيِيدُهَا بِالْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ خَوْفَ النِّسْيَانِ، أَمَّا عِنْدَ تَمَلُّكِهَا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ مَا يَرُدُّهُ لِمَالِكِهَا لَوْ ظَهَرَ (ثُمَّ) بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ ذَلِكَ (يُعَرِّفُهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وُجُوبًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا كَمَا مَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لَهُ، وَيَكُونُ الْمُعَرِّفُ عَاقِلًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ وُثِقَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُمْ ثُمَّ عَدَمُ وُجُوبِ فَوْرِيَّةِ التَّعْرِيفِ وَهُوَ مَا صَحَّحَاهُ، لَكِنْ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ الْغَزَالِيُّ.
قِيلَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ جَوَازُ التَّعْرِيفِ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ كَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ عَدَمُ الْفَوْرِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالِالْتِقَاطِ انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ مَا تَوَسَّطَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ تَأْخِيرِهِ عَنْ زَمَنٍ تُطْلَبُ فِيهِ عَادَةً وَيَخْتَلِفُ بِقِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا، وَوَافَقَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ فَوَاتُ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَفِي نُكَتِ الْمُصَنِّفِ كَالْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَخْذُ ظَالِمٍ لَهَا حَرُمَ التَّعْرِيفُ وَكَانَتْ أَمَانَةً بِيَدِهِ أَبَدًا: أَيْ فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بَعْدَ السَّنَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ لَوْ خَشِيَ مِنْ التَّعْرِيفِ اسْتِئْصَالَ مَالِهِ عُذِرَ فِي تَرْكِهِ وَلَهُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ السَّنَةِ (فِي الْأَسْوَاقِ) عِنْدَ قِيَامِهَا (وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُجْدَانِهَا،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْمَصَاغِ فِي عُشِّ الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ وَنَحْوِهِمَا مَا حُكْمُهُ؟ وَالْجَوَابُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ فَيُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكَ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَاَلَّذِي أَلْقَتْ الرِّيحُ فِي دَارِهِ أَوْ حِجْرِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِلُقَطَةٍ، وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ فَيَكُونُ مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ أَمْرُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي يُغَطِّي رَأْسَهَا) أَيْ فَإِطْلَاقُ الْعِفَاصِ عَلَى الْوِعَاءِ حَقِيقَةٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لَهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ كَالْوَدِيعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَفِي الْمُخْتَارِ: الْمُجُونُ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا تَوَسَّطَ الْأَذْرَعِيُّ) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ: بِمَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ أَيْ صَرِيحًا.
(قَوْلُهُ: وَكَانَتْ أَمَانَةً) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا وَانْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُ فِي مُؤْنَتِهِ هَلْ تَكُونُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَدْفَعُهُ لَهُ لِيَحْفَظَهُ إنْ رَجَا مَعْرِفَةَ صَاحِبِهِ، وَيُصْرَفُ مَصْرِفَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُرْجَ، وَهَذَا إنْ كَانَ نَاظِرُ بَيْتِ الْمَالِ أَمِينًا وَإِلَّا دَفَعَهُ لِثِقَةٍ يَصْرِفُهُ مَصَارِفَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُلْتَقِطُ مَصَارِفَهُ وَإِلَّا صَرَفَهُ بِنَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بَعْدَ السَّنَةِ) أَيْ وَلَوْ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
رَأَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ لَا يُضْمَنُ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا فِيهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَصْلِ مَأْخَذِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عِبَارَةُ الْقَامُوسِ إلَخْ) قَصْدُهُ بِذَلِكَ تَعَقُّبُ حَصْرِ الْخَطَّابِيِّ لِمَعْنَى الْعِفَاصِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ قَصْدُهُ أَنَّ الْعِفَاصَ فِيمَا فَسَّرَهُ هُوَ بِهِ مِنْ الْوِعَاءِ حَقِيقِيٌّ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا) كَأَنَّهُ عِلَّةٌ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلْيَعْرِفْ صِدْقَ وَاصِفِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَمْرِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ) يَعْنِي الْمُصَنِّفَ