للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ لُقَطَةِ الْحَرَمِ (وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ كَوْنُهُ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إمَّا أَوْجَبَهُ لِأَجْلِ أَنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَهُ، وَقَالَ الْأَقَلُّونَ يَجِبُ: أَيْ حَيْثُ لَمْ يَخَفْ أَخْذَ ظَالِمٍ لَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّ الْمَالِكِ بِكَتْمِهَا، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَقَوَّاهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إنْشَادُهَا لِنَحْوِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَيُمْكِنُ الْمُلْتَقِطَ التَّخَلُّصُ عَنْ الْوُجُوبِ بِالدَّفْعِ لِلْقَاضِي الْأَمِينِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ التَّعْرِيفِ وَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ ضَمَانُهَا لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدُ، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ فِي مَالِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْمُؤْنَةَ تَابِعَةٌ لِلْوُجُوبِ، وَلَوْ بَدَا لَهُ قَصْدُ التَّمَلُّكِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ عَرَّفَهَا سَنَةً مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا عَرَّفَهُ قَبْلَهُ.

أَمَّا إذَا أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ فَيَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ جَزْمًا (فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ أَخْذَهَا لِلْحِفْظِ وَكَذَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلتَّمَلُّكِ (خِيَانَةً لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا) بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ انْضَمَّ لِذَلِكَ الْقَصْدِ اسْتِعْمَالٌ أَوْ نَقْلٌ مِنْ مَحِلٍّ لِآخَرَ ضَمِنَ كَالْمُودَعِ فِيهِمَا.

وَالثَّانِي يَصِيرُ ضَامِنًا بِذَلِكَ، وَإِذَا ضَمِنَ فِي الْأَثْنَاءِ بِخِيَانَةٍ ثُمَّ أَقْلَعَ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ جَازَ وَخَرَجَ بِالْأَثْنَاءِ مَا فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ خِيَانَةٍ فَضَامِنٌ) لِقَصْدِهِ الْمُقَارِنِ لَأَخْذِهِ وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لِحَاكِمٍ أَمِينٍ (وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ) أَوْ يَخْتَصَّ بَعْدَ التَّعْرِيفِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) نَظَرًا لِلِابْتِدَاءِ كَالْغَاصِبِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَهُ ذَلِكَ نَظَرًا لِوُجُودِ صُورَةِ الِالْتِقَاطِ (وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ (فَأَمَانَةٌ) بِيَدِهِ (مُدَّةَ التَّعْرِيفِ وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا قَبْلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ.

وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَزَمَ التَّمَلُّكَ مُطَّرِدًا كَالْمُسْتَامِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ مَأْخُوذٌ لَحَظِّ آخِذِهِ حَالَ الْأَخْذِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَلَوْ أَخَذَهُ لَا بِقَصْدِ حِفْظٍ وَلَا تَمَلُّكٍ أَوْ لَا بِقَصْدِ خِيَانَةٍ وَلَا أَمَانَةٍ أَوْ بِقَصْدِ أَحَدِهِمَا وَنَسِيَهُ فَأَمَانَةٌ وَلَهُ تَمَلُّكُهَا بِشَرْطِهِ اتِّفَاقًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الِاخْتِصَاصِ أَمِينًا مَا لَمْ يَتْلَفْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْغَصْبِ (وَ) عَقِبَ الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (يَعْرِفُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ نَدْبًا كَمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ) أَيْ بَلْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ عَرَّفَهَا سَنَةً مِنْ حِينَئِذٍ) أَيْ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ مِنْ الْآنَ، ثُمَّ إنْ كَانَ اقْتَرَضَ عَلَى مَالِكِهَا مُؤْنَةَ تَعْرِيفِ مَا مَضَى فَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَرَضَ لِغَرَضِ الْمَالِكِ أَوْ لَا لِرُجُوعِهَا إلَيْهِ آخِرًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِتَعْرِيفِهِ السَّابِقِ وَلَمْ يُرَتِّبُوا الْحُكْمَ عَلَيْهِ مَعَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ بَلْ أَوْجَبُوا اسْتِئْنَافَ التَّعْرِيفِ فَابْتِدَاءُ أَخْذِهِ لِلتَّمَلُّكِ كَأَنَّهُ مِنْ الْآنَ أَوْ لَا نَظَرَ إلَى مَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: فَلَوْ وَقَعَتْ الْخِيَانَةُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ أَقْلَعَ فَهَلْ يُبْنَى أَوْ يُسْتَأْنَفُ اهـ؟ أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قَصْدَ الْخِيَانَةِ لَمْ يُبْطِلْ أَصْلَ اللُّقَطَةِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: مُطَّرِدًا) أَيْ مُسْتَمِرًّا (قَوْلُهُ: يَكُونُ فِي الِاخْتِصَاصِ أَمِينًا) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ كَلْبًا فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَعَدَمِهِ وَفِي جَوَازِ التَّقْصِيرِ فِي حِفْظِهِ وَعَدَمِهِ فَقَبْلَ اخْتِصَاصِهِ بِهِ لَا يَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَلَا التَّقْصِيرُ فِي حِفْظِهِ وَيَجُوزَانِ بَعْدَ الِاخْتِصَاصِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

إلَى أَمَانَةٍ أَقْوَى فَلَزِمَ الْقَاضِيَ مُرَافَقَتُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ حِفْظًا لِمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي هُوَ مِنْ وَظَائِفِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ الْقَيْدِ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتْلَفْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ وَمَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ وَاحِدٌ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ الَّتِي تَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ نَصُّهَا: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ شَارِحٍ هُنَا أَنَّهُ يَكُونُ أَمِينًا فِي الِاخْتِصَاصِ مَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فَيَضْمَنُهُ حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّمَلُّكِ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا مَرَّ فِي الْغَصْبِ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يُحَرِّمُ غَصْبَهُ وَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَ انْتَهَتْ.

وَحَمَلَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ لِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>