للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْمُسْلِمُ قُبِلَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ دُونَ إسْلَامِهِ، وَالثَّانِي كَافِرٌ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْنَى هُنَا مَا يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا، قَالَ: بَلْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِلُبْثٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْوِقَاعُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ طُرُوقِهِ بِنَحْوِ شَهْرٍ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ، قَالَ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ بِمِصْرٍ عَظِيمٍ بِدَارِ حَرْبٍ وَوَجَدَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ لَقِيطٍ مَثَلًا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ لِأَجْلِ تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ كَالسَّابِي فَذَاكَ أَوْ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَفِيهِ نَظَرٌ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَوْجُودُ امْرَأَةً اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ اكْتِفَائِهِمْ فِي دَارِنَا بِالْمُجْتَازِ، وَفِي دَارِهِمْ بِالسُّكْنَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي دَارِهِمْ إلَّا بِالْإِمْكَانِ الْقَرِيبِ عَادَةً، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ إمْكَانًا قَرِيبًا عَادَةً فَمُسْلِمٌ وَإِلَّا فَلَا، أَمَّا أَسِيرٍ مَحْبُوسٍ فِي مَطْمُورَةٍ قَالَ الْإِمَامُ: فَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمُجْتَازِ انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْبُوسِينَ امْرَأَةٌ، وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا أَوْ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِ حَرْبٍ لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَلَا وَوَلَدُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الزِّنَا بِمُسْلِمٍ كَافِرٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ تَبِعَهُ (وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُعَاهِدٌ أَوْ مُؤْمِنٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ) لِأَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ فِي النَّسَبِ (وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ) فَارْتَفَعَ مَا ظَنَنَّاهُ مِنْ إسْلَامِهِ لِأَنَّ الدَّارَ حُكْمٌ بِالْيَدِ وَالْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، وَتَصَوُّرُ عُلُوقِهِ مِنْ مُسْلِمٍ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَمْرٌ نَادِرٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ تَمَحَّضَتْ الْبَيِّنَةُ نِسْوَةً وَهُوَ الْأَوْجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ، وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ إلْحَاقِ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَهُوَ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَقْوَى، وَفِي النِّسْوَةِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ بِهِنَّ النَّسَبُ تَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ اقْتَصَرَ) الْكَافِرُ (عَلَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَتَأَمَّلْهُ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ بِأَنَّ شَرَفَ الْأُولَى اقْتَضَى الِاكْتِفَاءَ فِيهَا بِالْإِمْكَانِ وَإِنْ بَعُدَ فَدَخَلَ الْمُجْتَازُ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَاشْتَرَطَ فِيهَا قُرْبَ الْإِمْكَانِ، وَهُوَ إنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ السُّكْنَى لَا الِاجْتِيَازِ (قَوْلُهُ مَا يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ) أَيْ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ) أَيْ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ: إمْكَانًا قَرِيبًا) بَقِيَ مَا لَوْ أَمْكَنَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُحْكَمَ بِإِسْلَامِ مَنْ وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ وَإِنْ كَثُرَ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِسْلَامِ كَمَا حُكِمَ بِإِسْلَامٍ وَنَفْيِ النَّسَبِ فِيهِمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فَنَفَاهُ وَأَنْكَرَ الْوَطْءَ مِنْ أَصْلِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي فِي الْبَلَدِ بِكْرًا: أَيْ أَوْ كَانَتْ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا عَادَةً كَكَوْنِ الْمُسْلِمَةِ بِنْتَ مَلِكِهِمْ لَحِقَهَا عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ إلْحَاقِ الْقَائِفِ) أَيْ فِيمَا لَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي النِّسْوَةِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ: أَيْ بِأَنْ شَهِدْنَ بِوِلَادَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ اكْتِفَائِهِمْ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَذْرَعِيِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا أَخَذَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ.

وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ وَالِدَ الشَّارِحِ أَجَابَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ تَنْظِيرِ الْأَذْرَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَ كَوْنُ الْبَعْضِ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ بُعْدٍ وَاشْتَبَهَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ الْكُلِّ إذْ هُوَ أَسْهَلُ مِنْ إخْرَاجِ الْمُسْلِمِ إلَى الْكُفْرِ انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَوْجَهَهُ وَلَدُهُ فِيمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِمْكَانِ الْقَرِيبِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْجَمِيعِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ مَا ذَكَرُوا فِي الْجَنَائِزِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ صَبِيٌّ مُسْلِمٌ بِصَبِيٍّ كَافِرٍ وَبَلَغَا كَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يُعَامَلَانِ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْبُوسِينَ امْرَأَةٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً وَهِيَ غَيْرُ حَلِيلَةٍ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ احْتِمَالَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ مَثَلًا قَائِمٌ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّ وَلَدَ الذِّمِّيَّةِ مِنْ زِنًا الْمُسْلِمِ كَافِرٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ بِهِنَّ النَّسَبُ) أَيْ بِأَنْ شَهِدْنَ عَلَى الْوِلَادَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>