الْبَيْعِ وَالثَّانِي يَصِحُّ مُطْلَقًا لِكَمَالِ الرَّقَبَةِ فِيهِ.
وَالثَّالِثُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَنْفَعَةِ بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إلَّا لِلْمُوصَى لَهُ فَأَسْلَمَ الْقِنُّ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ كَافِرَانِ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَيُسْتَكْسَبُ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى بَيْعِهِ لِثَالِثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِمَا لِثَالِثٍ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِمَا لِثَالِثٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِنَّيْنِ مَثَلًا مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ، فَقَدْ يَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّقْوِيمِ لَا إلَى غَايَةٍ، بِخِلَافِ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ هُنَا فَإِنَّهُ تَابِعٌ فَسُومِحَ فِيهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَيُجْبَرُ عَلَى نَقْلِهَا الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ كَافِرٌ مُسْلِمًا عَيْنًا، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُؤَبَّدَةِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَنَظِيرِهِ الْمَارِّ فِي بَيْعِ حَقٍّ نَحْوِ الْبِنَاءِ أَوْ الْمُرُورِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَبِحَمْلِهَا لِآخَرَ فَأَعْتَقَهَا مَالِكُهَا لَمْ يُعْتَقْ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِالْمِلْكِ صَارَ كَالْمُسْتَقِلِّ أَوْ بِمَا تَحْمِلُهُ فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ وَتَزَوَّجَتْ وَلَوْ بِحُرٍّ فَأَوْلَادُهَا أَرِقَّاءُ.
كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ يَمْنَعُ سَرَيَانَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ ادَّعَى الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ انْعِقَادُهُمْ أَحْرَارًا، وَيَغْرَمُ الْوَارِثُ قِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ فَوَّتَهُمْ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ] فِي سم عَلَى حَجّ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَعَ مِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ كُلُّ سَنَةٍ كَذَا لِمَسْجِدِ كَذَا مَثَلًا وَخَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ بَعْضِهَا وَتَرْكُ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمُعَيَّنُ لِاخْتِلَافِ الْأُجْرَةِ فَقَدْ يَسْتَغْرِقُهَا وَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْمُوصَى لَهُ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَخُصُّ كُلًّا إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ كُلٍّ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا رِضًا مِنْهُمَا بِالضَّرَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ التَّنَازُعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ بِالِاخْتِيَارِ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ) وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ وَصَّى مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ وَمَاتَ الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ: يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِأَنَّ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ بِمِلْكِ الْكَافِرِ لَهُ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يُكَلَّفَ رَفْعَ يَدِهِ عَنْهُ بِإِيجَارِهِ لِمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا إلَخْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى الْمُؤَبَّدَةِ وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى خِلَافِهِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِالْمِلْكِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ عِتْقِ الْحَمْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّصْوِيرِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِ أَمَةٍ دُونَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَمْ يَعْتِقْ الْحَمْلُ وَيَبْقَى فِيهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِالْمِلْكِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِانْفِرَادِهِ بِالْمِلْكِ انْفِرَادُهُ بِشِبْهِهِ، أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِالْمِلْكِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَى الْحُرِّ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِشَرْطِ نِكَاحِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ نِكَاحِ الْأَمَةِ خَوْفُ رِقِّ الْوَلَدِ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ فَيُبَاعَانِ لِثَالِثٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ، وَهُوَ تَابِعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِلشِّهَابِ حَجّ الْمُوَافِقُ لِلدَّارِمِيِّ بَعْدَ مَا صَرَّحَ بِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا مَرَّ، وَكَتَبَ الشِّهَابُ سم عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ حَجّ مَا لَفْظُهُ: نُقِلَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ حِكَايَةِ الزَّرْكَشِيّ لَهُ عَنْ جَزْمِ الدَّارِمِيِّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الرَّقَبَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَحْدَهَا وَالْمَنْفَعَةُ يُنْتَفَعُ بِهَا بِاسْتِيفَائِهَا، فَالْمُتَّجِهُ صِحَّةُ بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ أَيْضًا.
فَإِنْ قُلْت: هِيَ مَجْهُولَةٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِقَدْرِ مُدَّتِهَا.
قُلْت: لَوْ أَثَّرَ هَذَا لَامْتَنَعَ بَيْعُ رَأْسِ الْجِدَارِ أَبَدًا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا يُمْلَكُ بِهِ عَيْنُ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute