للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ النِّيَابَةِ.

وَالثَّالِثُ يُمْنَعُ الْإِعْتَاقُ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ مَا فَعَلَ عَنْهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ) وَهُوَ هُنَا غَيْرُ الْوَارِثِ كَمَا مَرَّ (بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) كَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالثَّانِي لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ (لَا إعْتَاقَ) فِي مُرَتَّبَةٍ أَوْ مُخَيَّرَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ بُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ وَبُعْدِ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ جَوَازِهِ فِي الْمُرَتَّبَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَالثَّانِي يَقَعُ عَنْهُ كَغَيْرِهِ.

(وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ) عَنْهُ وَمِنْهَا وَقْفٌ لِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ وَحَفْرُ بِئْرٍ وَغَرْسُ شَجَرَةٍ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَدُعَاءٌ) لَهُ (مِنْ وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ) إجْمَاعًا وَقَدْ صَحَّ خَبَرُ «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ دَرَجَةَ الْعَبْدِ فِي الْجَنَّةِ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِهِ لَهُ» وَهُوَ مُخَصِّصُ وَقِيلَ نَاسِخُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] إنْ أُرِيدَ ظَاهِرُهُ وَإِلَّا فَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِيمَا سَعَى، وَأَنَّ مَا فَعَلَ عَنْهُ فَهُوَ مَحْضُ فَضْلٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَظَاهِرٌ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ وَنِسْبَةٍ، إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَوَابًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَمَعْنَى نَفْعِهِ بِالصَّدَقَةِ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَصَدِّقِ وَاسْتِبْعَادُ الْإِمَامِ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ثُمَّ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ وَيَنَالُ الْمَيِّتَ بَرَكَتُهُ، رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ وُقُوعِ الصَّدَقَةِ نَفْسِهَا عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يُكْتَبَ لَهُ ثَوَابُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ السُّنَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَوَاسِعُ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ يُثِيبَ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ: يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّدَقَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ تَعَالَى يُثِيبُهُمَا وَلَا يَنْقُصُ أَجْرَهُ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ مَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ يَلْزَمُهُ تَقْدِيرُ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَتَمْلِيكِهِ الْغَيْرَ وَلَا نَظِيرَ لَهُ: رُدَّ بِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يَنْظُرْ لَهُ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ كَالْمُتَصَدِّقِ مَحْضُ فَضْلٍ فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ عَنْ الْقَوَاعِدِ لَوْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ يَصِحُّ نَحْوُ الْوَقْفِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلِلْفَاعِلِ ثَوَابُ الْبِرِّ، وَلِلْمَيِّتِ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى نَفْعِهِ بِالدُّعَاءِ حُصُولُ الْمَدْعُوِّ بِهِ لَهُ إذَا اُسْتُجِيبَ وَاسْتِجَابَتُهُ مَحْضُ فَضْلٍ مِنْهُ تَعَالَى، وَلَا تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ ثَوَابًا.

أَمَّا نَفْسُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُهُ فَلِلدَّاعِي؛ لِأَنَّهُ شَفَاعَةٌ أَجْرُهَا لِلشَّافِعِ وَمَقْصُودُهَا لِلْمَشْفُوعِ لَهُ، وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الصَّدَقَةِ، نَعَمْ دُعَاءُ الْوَلَدِ يَحْصُلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَغَرْسُ شَجَرَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُثْمِرْ (قَوْلُهُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِوَالِدِي أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُخَصِّصُ عِبَارَةِ حَجّ وَهُمَا مُخَصِّصَانِ وَقِيلَ نَاسِخَانِ.

[فَرْعٌ] قَالَ حَجّ: وَلَوْ أَوْصَى بِكَذَا لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءَ قُرْآنٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّةَ صَحَّ، ثُمَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى قَبْرِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ: لَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ حُكِّمَ الْعُرْفِ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ بِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ بَعْضَهَا اسْتَحَقَّ بِالْقِسْطِ أَوْ كُلَّهَا اسْتَحَقَّ غَلَّةَ السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ بِنَفْسِ الْأَرْضِ، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْضَ إلَّا مَنْ قَرَأَ جَمِيعَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً فَالِاسْتِحْقَاقُ تَعَلَّقَ بِشَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ الْمَجْهُولَةِ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِمَسْأَلَةِ الدِّينَارِ مَا مَرَّ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَتَصِحُّ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ.

وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُهَا لِإِمْكَانِ حَمْلِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ قِرَاءَتُهُ عَلَى قَبْرِهِ جَمِيعَ حَيَاتِهِ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلَّفْظِ مَا أَمْكَنَ، وَمَرَّ فِي الْوَقْفِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى نَفْعِهِ بِالدُّعَاءِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثَوَابَ قِرَاءَةٍ لَهُ أَوْ دُعَاءٍ عَقِبَهَا بِحُصُولِ ثَوَابِهَا لَهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ وَحَصَلَ لِلْقَارِئِ أَيْضًا الثَّوَابُ، فَلَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لِمُسْقِطٍ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْوِهِ بِهَا وَلَا دَعَا لَهُ بَعْدَهَا وَلَا قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بَلْ يَصِحُّ نَحْوُ الْوَقْفِ عَنْ الْمَيِّتِ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الْمَذْكُورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>