ثَوَابُهُ نَفْسُهُ لِلْوَالِدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ وَلَدِهِ لِتَسَبُّبِهِ فِي وُجُودِهِ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي خَبَرِ «يَنْقَطِعُ عَمَلُ ابْنِ آدَمَ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» ثُمَّ قَالَ «أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» جَعَلَ دُعَاءَهُ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِ الْوَالِدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ انْقِطَاعِ الْعَمَلِ إنْ أُرِيدَ نَفْسُ الدُّعَاءِ لَا الْمَدْعُوِّ بِهِ، وَأَفْهَمُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَلَوْ قِرَاءَةً.
نَعَمْ يَنْفَعُهُ نَحْوُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَبَعًا لِلنُّسُكِ وَالصَّوْمِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَفِي الْقِرَاءَةِ وَجْهٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِوُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِهِ بِهَا، وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَحَمَلَ جَمْعٌ الْأَوَّلَ عَلَى قِرَاءَتِهِ لَا بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ وَلَا بِنِيَّةِ الْقَارِئِ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَوْ نَوَاهُ وَلَمْ يَدْعُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِنَفْعِ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ: أَيْ مِثْلَهُ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَفَعَهُ الدُّعَاءُ بِمَا لَيْسَ لِلدَّاعِي فَمَا لَهُ أَوْلَى، وَيَجْرِي هَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ إلَى آخِرِهِ يَنْدَفِعُ إنْكَارُ الْبُرْهَانِ الْفَزَارِيِّ قَوْلَهُمْ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا تَلَوْتُهُ إلَى فُلَانٍ خَاصَّةً وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؛ لِأَنَّ مَا اخْتَصَّ بِشَخْصٍ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعْمِيمُ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ، فَإِنَّ الثَّوَابَ يَتَفَاوَتُ، فَأَعْلَاهُ مَا خَصَّهُ وَأَدْنَاهُ مَا عَمَّهُ وَغَيْرَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يَشَاءُ، وَمَنَعَ التَّاجُ الْفَزَارِيّ مِنْ إهْدَاءِ الْقُرَبِ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَجَرَّأُ عَلَى جَنَابِهِ الرَّفِيعِ بِمَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ أَتَمَّ إيضَاحٍ فِي الْفَتَاوَى.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ يَبْرَأَ مِنْ وَاجِبِ الْإِجَارَةِ وَهَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِهَا وَإِنْ تَخَلَّلَ فِيهَا سُكُوتٌ يَنْبَغِي؟ نَعَمْ إذَا عَدَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ تَوَابِعَهُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِلْوَالِدِ الْمَيِّتِ) أَيْ وَمِثْلُهُ الْحَيُّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ: أَيْ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَحُمِلَ جَمْعُ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ قِرَاءَةً، وَقَوْلُهُ أَوْ نَوَاهُ ضَعِيفٌ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ سم الْمَذْكُورِ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ سِوَى ذَلِكَ) يَعْنِي الْحَجَّ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ جَمْعٌ الْأَوَّلَ عَلَى قِرَاءَتِهِ لَا بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْقِرَاءَةِ بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ يَحْصُلُ ثَوَابُهَا لِلْمَيِّتِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَإِنْ كَانَ فَضْلُ اللَّهِ وَاسِعًا فَتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي التُّحْفَةِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم مَا نَصُّهُ اعْتَمَدَ مَرَّ قَوْلَ هَذَا الْجَمْعِ، وَرَدَّ الِاكْتِفَاءَ بِنِيَّةِ جَعْلِ الثَّوَابِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ.
قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَوْ دَعَا لَهُ عَقِبَهَا بِحُصُولِ ثَوَابِهَا لَهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ حَصَلَ مِثْلُ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ وَحَصَلَ لِلْقَارِئِ أَيْضًا الثَّوَابُ، فَلَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لِمُسْقِطٍ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي هَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ إلَخْ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَلَّى أَوْ صَامَ مَثَلًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ هَذَا لِفُلَانٍ يَصِلُ إلَيْهِ ثَوَابُ مَا فَعَلَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ مَثَلًا فَتَنَبَّهْ وَرَاجِعْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) اُنْظُرْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ اسْتَنْتَجَ هَذَا، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ تَعْلِيلُ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِعَدَمِ التَّمَامِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَلْتُرَاجَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute