(عَسُرَ زَوَالُهُ) بِحَيْثُ لَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَرْضُ وَالثَّوْبُ وَالْإِنَاءُ وَسَوَاءٌ أَطَالَ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ أَمْ لَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَضُرُّ: أَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً لَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ بَلَلٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ.
إذْ لَا مَعْنَى لِلْغَسْلِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَالْأَثَرُ الْبَاقِي شَبِيهٌ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ عَسُرَتْ إزَالَةُ لَوْنٍ نَحْوِ دَمٍ مُغَلَّظٍ أَوْ رِيحِهِ طَهُرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي خَادِمِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْفُ عَنْ قَلِيلِ دَمِهِ لِسُهُولَةِ إزَالَةِ جِرْمِهِ وَخَرَجَ مَا سَهُلَ زَوَالُهُ فَلَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ (وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ) أَنَّهُ يَضُرُّ أَمْعَاءَهُ كَسَهْلِ الزَّوَالِ (قُلْت: فَإِنْ أُبْقِيَا مَعًا) فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ وَإِنْ عَسُرَ زَوَالُهُمَا (ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، فَإِنْ أُمِّيًّا فِي مَحِلَّيْنِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا لَوْ تَخَرَّقَتْ بِطَانَةُ الْخُفِّ وَظِهَارَتُهُ مِنْ مَحِلَّيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ قُوَّةُ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَائِهَا، وَلَوْ تُوَقَّفَ زَوَالُ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ عَلَى أُشْنَانٍ أَوْ صَابُونَ أَوْ حَتٍّ أَوْ قَرْصٍ وَجَبَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلَيْ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِوُجُوبِ نَحْوِ الصَّابُونِ أَنْ يَفْضُلَ ثَمَنُهُ عَمَّا يَفْضُلُ عَنْهُ ثَمَنُ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَتِّ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إذَا وَجَدَهَا فَاضِلَةً عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ وَجَدَهُ لِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ حَقِيقَةً، وَيَحْتَمِلُ اللُّزُومَ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الطُّهْرِ وَالْعَفْوِ إنَّمَا كَانَ لِلتَّعَذُّرِ وَقَدْ زَالَ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ، بَلْ قِيَاسُ فَقْدِ الْمَاءِ عِنْدَ حَاجَتِهِ عَدَمُ الطُّهْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِاغْتِفَارِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَكَذَا مُجْتَمِعَيْنِ؛ وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَاءٍ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ وَوُضِعَ فِي زِيرٍ فَوُجِدَ فِيهِ طَعْمُ زِبْلٍ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَتِهِ، فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَشُرِعَ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِيُعْرَفَ طَعْمُ الْمَاءِ وَرَائِحَتُهُ انْتَهَى.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْآخَرِ لِانْحِصَارِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّ لَهُ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَالْقَرْصُ) أَيْ بِالصَّادِ بِالْمُهْمَلَةِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَرْصُ الْغَسْلُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَقِيلَ هُوَ الْقَلْعُ بِالظُّفْرِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَثَرُ الْبَاقِي إلَخْ) أَيْ وَهُوَ لَا يَنْجَسُ (قَوْلُهُ: عَنْ قَلِيلِ دَمِهِ) أَيْ الْمُغَلَّظِ وَقَوْلُهُ: لِسُهُولَةِ إزَالَةِ إلَخْ: أَيْ فَلَوْ عُولِجَ وَلَمْ يَزُلْ كَانَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ: أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُ (قَوْلُهُ: ضَرَّ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الضَّرَرِ إذَا بَقِيَا مَعًا بَيْنَ كَوْنِهِمَا مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَجَاسَتَيْنِ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: قَبْلُ كَلَوْنِ الدَّمِ وَرِيحِ الْخَمْرِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ تَقْيِيدُ الضَّرَرِ بِمَا إذَا كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ بَقَاءَهُمَا مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مِنْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِالْأُخْرَى وَكُلَّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) أَيْ نَحْوُ الصَّابُونِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ) الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِقَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ اللُّزُومُ (قَوْلُهُ: عَدَمُ الطُّهْرِ إلَخْ) وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَنَّهُ يَقْضِي مَا صَلَّاهُ بِهِ مُدَّةَ الْفَقْدِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ قم قَوْلُهُ: وَجَبَ إزَالَةُ أَوْصَافِهِ: أَيْ وَلَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِنَحْوِ صَابُونٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ فِي الْمُغَلَّظَةِ وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لمر، لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَقَالَ: لَوْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا قَضَاءٍ، وَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْوَصْفِ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا انْتَهَى بِمَعْنَاهُ.
وَذَكَرَ غَالِبَهُ فِي شَرْحِهِ لِلْمِنْهَاجِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِأَنَّ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِعَانَةَ يَجْعَلُهَا شَرْطًا فِي التَّطْهِيرِ، وَشَرْطُ التَّطْهِيرِ إذَا فَاتَ لِعُذْرٍ لَا يَحْصُلُ التَّطْهِيرُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِلضَّرُورَةِ وَيَقْضِيَهَا فَلْيُحَرَّرْ.
ثُمَّ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، بَلْ وَبِأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ) أَيْ بَقَاؤُهُمَا (قَوْلُهُ: فَوَجَدَ فِيهِ طَعْمَ زِبْلٍ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ بِنَجَاسَتِهِ) نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى وَالِدِهِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ انْتَهَى.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَمَا كَانَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ تَوَقَّفَ زَوَالُ ذَلِكَ) يَعْنِي لَوْنَ النَّجَاسَةِ أَوْ رِيحَهَا. وَلَيْسَ خَاصًّا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: فَإِنْ بَقِيَا إلَخْ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute