للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِيهِ طَعْمُ شَيْءٍ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّجَاسَةِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِرِيحِ الْخَمْرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَلَّا يَكُونَ بِقُرْبِهِ جِيفَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مَنِيًّا لَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ.

هَذَا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ وَعَدَمُ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ مَعَ ذَلِكَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حُكْمٌ بِهَا بِالشَّكِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ نَظَائِرِهِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْوَلَدِ فِي الْمَاءِ الْمُزِيلِ لِأَنَّهُ عَهْدُ بَوْلِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْمَاءِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَشْبَهَ السَّبَبَ الظَّاهِرَ، وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا فَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُمْكِنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ حِكْمَةِ شُرُوعِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الطَّعْمَ مُقْتَضٍ لِنَجَاسَتِهِ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ إذَا وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ مُتَغَيِّرًا.

نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ سَبْقَ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ (وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ) عَلَى مَحِلِّهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْجَسُ بِالْمُلَاقَاةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَلَوْ طَهَّرَ إنَاءً أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى جَوَانِبِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَطْهُرُ قَبْلَ أَنْ يَصُبَّ النَّجَاسَةَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ مَائِعَةً بَاقِيَةً فِيهِ.

أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَائِعَةً بَاقِيَةً فِيهِ لَمْ يَطْهُرْ مَا دَامَ عَيْنُهَا مَغْمُورًا بِالْمَاءِ (لَا الْعَصْرِ فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ خَمْلٌ كَالْبِسَاطِ أَوْ لَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، فَقَوْلُ الْغَزِّيِّ يُشْتَرَطُ اتِّفَاقًا فِي الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ، وَمُقَابِلُهُ فِي الْأُولَى قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا أُورِدَ عَلَيْهِ الْمَحِلُّ النَّجِسُ لِتَطْهِيرِهِ كَالثَّوْبِ يُغْمَسُ فِي إجَّانَةِ مَاءٍ لِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَهِّرُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَارِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهِ فَيَنْجُسُ بِهِ، وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي طَهَارَةِ الْغُسَالَةِ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَصْرُ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْجَفَافُ فِي الْأَصَحِّ.

(وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَذَلِكَ لَا يَنْجَسُ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا) هِيَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ طَعْمٌ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) مِنْهُ مَا لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِدَمِ اللِّثَةِ أَوْ بِمَا يَخْرُجُ بِسَبَبِ الْجُشَاءِ فَتَفَلَهُ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَأَدَارَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ بِحَيْثُ عَمَّهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّ فَمَهُ يَطْهُرُ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ فَيَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ لِطَهَارَتِهِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، هَذَا وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ تَدْمَى لِثَتُهُ مِنْ بَعْضِ الْمَآكِلِ بِتَشْوِيشِهَا عَلَى لَحْمِ الْأَسْنَانِ دُونَ بَعْضٍ، فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ فِيمَا تَدْمَى بِهِ لِثَتُهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَمْ لَا لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِتَنَاوُلِ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ مِنْهُ دَمْيُ اللِّثَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.

وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى حِينَئِذٍ، وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ يُمْكِنُ تَطْهِيرُ فَمِهِ مِنْهُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَشَقَّةٌ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إلَخْ) وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ صَبَّ عَلَيْهِ فِي إجَّانَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ صَبَّ عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِعَصْرٍ قَطْعًا كَالنَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَالْحُكْمِيَّةِ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ: خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ إلَخْ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لِرِعَايَةِ الْخِلَافِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، بَلْ يُسَنُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا هُنَا، لَكِنْ ذَكَر حَجّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْهُ قُوَّةُ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.

أَمَّا هُوَ فَتُسَنُّ مُرَاعَاتُهُ وَإِنْ شَذَّ.

قَالَ حَجّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنَّهُمْ لَهُ لِدَلِيلٍ قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، إمَّا بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى مَنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالشُّذُوذِ، أَوْ بِكَوْنِهِ مَعَ شُذُوذِهِ عِنْدَنَا مُوَافِقًا لِبَعْضِ الْمَذَاهِبِ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ) أَيْ الْعَصْرُ، وَقَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ: مَا لَهُ خَمْلٌ (قَوْلُهُ: وَيَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ عَلَى الْمُقَابِلِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَوْهَمَهُ سِيَاقُهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَلَا شَاهِدَ فِيهِ لِإِفْتَاءِ وَالِدِهِ، عَلَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ الْمَذْكُورَ لَا يَخْلُو عَنْ تَوَقُّفٍ وَإِنْ وَجَّهَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَهِدَ بَوْلَ الْحَيَوَانَاتِ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ: بِمِثْلِهِ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ الْبَغَوِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>