للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْزِلْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا وقَوْله تَعَالَى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يَخْطُبُ لِلنَّاسِ: لَا يُعْجِبَنَّكُمْ مِنْ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ، وَلَكِنْ مَنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ فَهُوَ الرَّجُلُ.

(مَنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) أَيْ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَإِنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ (وَمَنْ) (قَدَرَ) عَلَى حِفْظِهَا وَهُوَ أَمِينٌ (وَ) لَكِنَّهُ (لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ) فِيهَا حَالًا أَوْ اسْتِقْبَالًا (كُرِهَ) لَهُ قَبُولُهَا مِنْ مَالِكِهَا الرَّشِيدِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا.

وَالْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْخَشْيَةِ الْوُقُوعُ وَلَا ظَنُّهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ الْخِيَانَةِ مِنْهُ فِيهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، أَمَّا غَيْرُ مَالِكِهَا كَوَلِيِّهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إيدَاعُ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْخِيَانَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا مِنْهُ.

وَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْمَالِكُ الرَّشِيدُ بِحَالِهِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَبُولِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الْوَجْهَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودِعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَرْدُودٌ، إذْ الشَّخْصُ إذَا عَلِمَ مِنْ غَيْرِهِ أَخْذَ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ أَوْ لِيَدْفَعَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَلَا الْآخِذُ إنْ عَلِمَ رِضَاهُ، وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ.

نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ مُتَصَرِّفًا عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطُّ (فَإِنْ وَثِقَ) بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَقَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا (اُسْتُحِبَّ) لَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةُ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ مَجَّانًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِرْزِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ، وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللَّبَإِ وَإِنْقَاذِ نَحْوِ غَرِيقٍ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَصَى وَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْأُمَنَاءُ الْقَادِرُونَ فَالْأَوْجَهُ تَعَيُّنُهَا عَلَى كُلٍّ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْفَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا خَبَرٌ عَنْ هِيَ وَيَجُوزُ جَعْلُهَا جَوَابًا لِأَنَّ (قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى) أَيْ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى إلَخْ (قَوْلُهُ: طَنْطَنَتُهُ) أَيْ كَلَامُهُ الدَّالُّ عَلَى شِدَّةِ فَصَاحَتِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ الطَّنِينُ كَأَمِيرٍ صَوْتُ الذُّبَابِ كَطَنْطَنَ، وَالطَّنْطَنَةُ حِكَايَةُ صَوْتِ الطُّنْبُورِ وَشَبَهِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ أَخَذَهَا) قَالَ سم عَلَى حَجّ: كَأَنَّ وَجْهَ التَّفْسِيرِ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَبُولَ لَفْظًا لَا يُشْتَرَطُ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ سَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّهُ يَكْفِي اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ الْوَدِيعِ فَهَلْ يَحْرُمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْأَخْذِ الْحَرَامِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطِي عَقْدٍ فَاسِدٍ اهـ؟ أَقُولُ: الظَّاهِرُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ حَيْثُ عَلِمَ الْمَالِكُ بِحَالِهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا عَلِمَ بِحَالِ الْآخِذِ لَا يَحْرُمُ الْقَبُولُ وَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ قَبُولُهَا) وَتُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ فِيهَا أَيْضًا بِأَنْ شَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَثِقْ إلَخْ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فِي هَذِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ) أَيْ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ صَرْفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ: وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (قَوْلُهُ: مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ) أَيْ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهِيَ مَضْمُونَةٌ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ وَالْآخِذِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ) أَيْ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ لَضَاعَتْ عَلَى مَالِكِهَا (قَوْلُهُ: وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ) أَيْ حَيْثُ مَنَعَا أَخْذَ أُجْرَةِ الْحِفْظِ (قَوْلُهُ: عَصَى وَلَا ضَمَانَ) بَقِيَ مَا لَوْ تَعَيَّنَ وَلَمْ يَعْلَمْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَخْذُهَا) أَيْ لَا مُجَرَّدُ قَبُولِهَا بِاللَّفْظِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُودَعِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>