مَنْ سَأَلَهُ مِنْهُمْ عِنْدَ وُجُوبِ قَبُولِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ التَّوَاكُلُ إلَى تَلَفِهَا.
(وَشَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعُ الدَّالُّ عَلَيْهِمَا مَا قَبْلَهُمَا (شَرْطُ مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجُوزُ إيدَاعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا وَلَا كَافِرٍ نَحْوَ مُصْحَفٍ وَمَرَّتْ شُرُوطُهُمَا فِي الْوَكَالَةِ مَعَ مَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لِمَعْنًى يَأْتِي هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ إيدَاعُ مُكَاتَبٍ لَكِنْ بِأُجْرَةٍ لِامْتِنَاعِ تَبَرُّعِهِ بِمَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (وَيُشْتَرَطُ) مُرَادُهُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (صِيغَةُ الْمُودِعِ) بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ صَرِيحَةً كَانَتْ (كَاسْتَوْدَعْتُك هَذَا أَوْ اسْتَحْفَظْتُك أَوْ أَنَبْتُك فِي حِفْظِهِ) أَوْ أَوْدَعْتُكَهُ أَوْ اسْتَوْدِعْهُ أَوْ اسْتَحْفِظْهُ أَوْ كِنَايَةً كَخُذْهُ مَعَ النِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى حَمَّامِيٍّ حِفْظُ نَحْوِ ثِيَابٍ لَمْ يَسْتَحْفِظْهَا وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعَادَةُ حِفْظَهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي، فَلَوْ ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً لِحِفْظِهَا فَيَضْمَنُهَا إنْ فَرَّطَ، كَأَنْ نَامَ أَوْ غَابَ أَوْ نَعَسَ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّوَابُّ فِي الْخَانِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْخَانِيُّ إلَّا إنْ قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ أَوْ الْأُجْرَةَ، وَلَيْسَ مِنْ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَالِكُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ لِلْمَالِكِ وَأَخْذُهَا مِنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَافِرٍ نَحْوَ مُصْحَفٍ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ارْتِهَانٌ وَاسْتِيدَاعٌ وَاسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ نَحْوَ الْمُصْحَفِ وَبِكَرَاهَةِ إجَارَةِ عَيْنِهِ وَإِعَارَتِهِ وَإِيدَاعِهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَنُوبُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي قَبْضِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ انْتَهَى قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: وَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ انْتَهَى.
لَكِنْ يُتَأَمَّلُ هَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حِفْظِهَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إيدَاعُ مُكَاتَبٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْمُرَادُ قَبُولُهُ الْوَدِيعَةَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَبِلَهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَ الْمُودِعَ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِ الْوَدِيعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهُوَ كَالصَّحِيحَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ مِنْهَا) أَيْ الْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْإِثْمِ إذَا ذَهَبَ وَتَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْهَامِشِ عَنْ حَجّ مِنْ أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْبِضْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَاكَ فِيمَا إذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ الْمَالِكِ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْحِفْظِ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا وَضَعَهَا صَاحِبُهَا بِلَا لَفْظٍ أَلْبَتَّةَ (قَوْلُهُ: وَقَبِلَ مِنْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ كِيسِ نَقْدٍ مَثَلًا مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ بِشَخْصِهِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ لَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ.
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِزْ السَّارِقُ الْفُرْصَةَ، فَإِنْ انْتَهَزَهَا لَا ضَمَانَ، وَقَوْلُنَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ: أَيْ سَوَاءٌ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ كَأَنْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةُ إجَارَةٍ أَمْ لَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَدِيعُ بِاللَّفْظِ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ مِنْ الْمَالِكِ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ أَعْطَاهُ أُجْرَةً لِحِفْظِهَا، وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً وَذَهَابُهُ بِدُونِهَا: أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ رَدَّ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ هُنَا مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرَّدِّ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَقْصِيرٌ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْبِضْ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ إنْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ غَرَّهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ غَابَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إنْ طَرَأَ لَهُ مَا يَقْتَضِي غَيْبَتَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا لِلْمَالِكِ لِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِاسْتِحْفَاظِ غَيْرِهِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ مُطْلَقًا لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى الْحِرْزِ أَوْ يَحْفَظُهَا وَلَوْ أَجْنَبِيًّا إنْ بَقِيَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَدَتْ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَيَضْمَنُهَا (قَوْلُهُ إلَّا إنْ قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ) وَمِنْهُ اذْهَبْ وَخَلِّهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي: أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ إلَخْ.
قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَمَنْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي خَانْ وَاسْتَحْفَظَ صَاحِبَهُ فَخَرَجَتْ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ بَلْ قَالَ أَيْنَ أَرْبُطُهَا فَقَالَ هُنَا ثُمَّ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا كَافِرٍ نَحْوُ مُصْحَفٍ) نَبَّهَ الشِّهَابُ سم عَلَى أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَيْعِ فَلْيُرَاجَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute