للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَوْ كَانَ يُلَاحِظُ عَلَى الْعَادَةِ فَتَغَفَّلَهُ سَارِقٌ أَوْ خَرَجَتْ الدَّابَّةُ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) لِصِيغَةِ الْعَقْدِ أَوْ الْأَمْرِ (لَفْظًا وَيَكْفِي) مَعَ عَدَمِ اللَّفْظِ (الْقَبْضُ) أَيْ الْمَارُّ فِي الْبَيْعِ لَا غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْفَوْرِيَّةُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ فَالشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ فِعْلٍ مَعَ الْقَبُولِ، فَلَوْ قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ أَوْ احْفَظْهُ فَقَالَ قَبِلْت أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ كَانَ إيدَاعًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ سَوَاءٌ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَقَدْ رَجَّحَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا.

وَالثَّالِثُ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَلَوْ وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ الْوَدِيعِ وَإِعْطَاءٌ مِنْ الْمُودِعِ كَانَ إيدَاعًا أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ وِفَاقًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ، فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا وَفِعْلُ الْآخَرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَيَدْخُلُ وَلَدُ الْوَدِيعَةِ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ لَا مُجَرَّدُ إذْنٍ فِي الْحِفْظِ: أَيْ وَكَانَتْ حَالُ الْعَقْدِ حَامِلًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ وَالْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِهِ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِالْمَالِكِ لَمْ يَرْضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَهُوَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ فَوَدِيعَةٌ أَبَدًا، أَوْ خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا عَارِيَّةً فَوَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ يَوْمِ الْعَارِيَّةِ وَدِيعَةً وَلَا عَارِيَّةً بَلْ تَصِيرُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فَقَالَ خُذْهُ يَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَقَدَهَا لَمْ يَضْمَنْ اهـ.

أَقُولُ: وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْحَمَّامِيِّ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَكَانَ مَزْحُومًا مَثَلًا وَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَضَعُ حَوَائِجِي فَقَالَ ضَعْهَا هُنَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) أَيْ حَيْثُ قِيلَ فِيهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ ثَمَّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا) وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَمَّلَ دَابَّتَهُ حَطَبًا وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ يَأْخُذُوهَا مَعَهُمْ إلَى مِصْرٍ وَيَبِيعُوا الْحَطَبَ لَهُ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنْهُ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَثْوَابِ السَّفَرِ وَيَلْحَقَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ إنَّهُمْ حَضَرُوا بِهَا إلَى مِصْرٍ وَتَصَرَّفُوا فِي الْحَطَبِ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَوَضَعُوا الدَّابَّةَ عِنْدَ دَوَابِّهِمْ فَضَاعَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَلَدُ الْوَدِيعَةِ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: هَلْ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْوَدِيعَةِ مَا وَلَدَتْهُ عِنْدَ الْوَدِيعِ أَوْ مَا يَتْبَعُهَا بَعْدَ إيدَاعِهَا أَوْ كِلَاهُمَا، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالدُّخُولِ الثَّانِي انْتَهَى.

لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِ الشَّارِحِ: أَيْ وَكَانَتْ حَالَ الْعَقْدِ حَامِلًا الْأَوَّلَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ قَبْلَ الْإِيدَاعِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَرْهُونَةِ إنْ كَانَ حَمْلًا وَقْتَ الرَّهْنِ دَخَلَ، وَعَلَيْهِ الْوَدِيعَةُ وَالرَّهْنُ سِيَّانَ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ: وَدَخَلَ فِي رَهْنِ حَامِلٍ حَمْلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ فَهُوَ رَهْنٌ، بِخِلَافِ رَهْنِ الْحَائِلِ لَا يَتْبَعُهَا حَمْلُهَا الْحَادِثُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا حَامِلًا انْتَهَى.

نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِيدَاعِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ فِي يَدِ الْوَدِيعِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي عِبَارَتِهِ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ فِي يَدِ الْوَدِيعِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَادِثِ وَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ الْحَادِثِ بَعْدَ الرَّهْنِ إلَخْ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ تَسِيرُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُهُ، وَلَعَلَّهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَارِيَّةً كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ فَيُسْتَصْحَبُ وَإِنْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قَبْلَ إعْلَامِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَكَانَتْ حَامِلًا) أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>