عَدَمِ الْقَرَارِ عَلَيْهِ حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَفَارَقَ مُحَرَّمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ بِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ، وَتَنْظِيرُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ فِي حَمْلِ الزَّرْكَشِيّ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَجْهٍ لَا قَائِلَ بِهِ مَرْدُودٌ بِمَنْعِ لُزُومِ ذَلِكَ نَظَرًا لِعُذْرِهِ مَعَ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْتِزَامِهِ نَظَرًا لِالْتِزَامِهِ الْحِفْظَ وَقَوْلُهُ لَا قَاتِلَ بِهِ شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يُحِيطُ بِهَا الْعِلْمُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ضَمَانُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهَا وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَدَمُهُ، وَلَوْ قَالَ لَا تُخْبِرْ بِهَا فَخَالَفَ فَإِنْ أَخَذَهَا مُخْبِرُهُ أَوْ مُخْبِرُ مُخْبِرِهِ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا فَلَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ، وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحَ نَحْوِ بَيْتِهِ فَدَفَعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ سَاكِنٍ مَعَهُ فَفَتَحَ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ حِفْظَ الْمِفْتَاحِ لَا الْمَتَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ أَيْضًا.
(فَلَوْ) (أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ) أَوْ لِغَيْرِهِ (لِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ الْوَدِيعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُبَاشَرَتِهِ لِلتَّسْلِيمِ وَلَوْ مُضْطَرًّا إذْ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمُبَاشَرَةِ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ لِلْإِكْرَاهِ وَيُطَالِبُ الظَّالِمَ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَاحْتَرَزَ بِسَلَّمَهَا إلَيْهِ عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِنَفْسِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فَقَطْ جَزْمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَعَدَمِ فِطْرِ الْمُكْرَهِ كَمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ تَعَالَى وَمِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَأَثَّرَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَمِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْءٌ (ثُمَّ رَجَعَ) الْوَدِيعُ (عَلَى الظَّالِمِ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّمُهَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِاسْتِيلَائِهِ حَقِيقَةً عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ الْوَدِيعَ دَفْعُ الظَّالِمِ بِمَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْحَلِفِ جَازَ.
وَكَفَّرَ إنْ كَانَ بِاَللَّهِ، وَحَنِثَ إنْ كَانَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَيْهِ بَلْ خَيَّرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ قُطَّاعٌ مَالَ رَجُلٍ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ إنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِهِمْ فَأَخْبَرَ بِهِمْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِخِلَافِهِ هُوَ (قَوْلُهُ وَفَارَقَ مُحْرِمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ) أَيْ حَيْثُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُهُ) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّابَّةَ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الدَّابَّةِ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا نَفْسِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ لَا تُعَدُّ جِنَايَةً عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ) أَيْ حَفِظَ الْأَمْتِعَةَ كَأَنْ اُسْتُحْفِظَ عَلَى الْمِفْتَاحِ وَمَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْأَمْتِعَةَ وَلَا سَلَّمَهَا لَهُ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْخُفَرَاءِ إذَا اُسْتُحْفِظُوا عَلَى السِّكَّةِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا الْأَمْتِعَةَ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهَا لَهُمْ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهَا.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ إنْ كَانَ بِالطَّلَاقِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَقَطْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي حَلِفِهِ بِأَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لَهُ فَحَنِثَ إذْ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَاهِيَّةِ الْحَلِفِ، وَالْمَاهِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوْلَ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ) أَيْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ يَمْنَعُ لُزُومَ ذَلِكَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ إنْ كَانَ مَوْضُوعُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي دَلَالَةِ الْمُكْرَهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ السِّيَاقِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ) قَالَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْأَمْتِعَةَ وَلَا سَلَّمَهَا لَهُ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْخُفَرَاءِ إذَا اُسْتُحْفِظُوا عَلَى السِّكَّةِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا الْأَمْتِعَةَ لِعَدَمِ تَسَلُّمِهَا لَهُمْ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهَا انْتَهَى. قُلْت: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ تَسَلَّمَ الْمِفْتَاحَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْضًا وَإِذَا سُلِّمَ الْمِفْتَاحُ مَعَ الْتِزَامِ حِفْظِ الْمَتَاعِ فَهُوَ مُتَسَلِّمٌ لِلْمَتَاعِ مَعْنًى بَلْ حِسًّا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَحَلِّهِ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِحْفَاظُ هُنَا عَلَى الْمَتَاعِ وَهُنَاكَ عَلَى السِّكَّةِ، وَأَيْضًا فَالْأَمْتِعَةُ هُنَا مُعَيَّنَةٌ نَوْعَ تَعْيِينٍ إذْ هِيَ مَحْصُورَةٌ فِي الْمَحَلِّ الْمُسْتَحْفِظِ عَلَيْهِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، بِخِلَافِ بُيُوتِ السِّكَّةِ الَّتِي بِهَا سُكَّانُهَا يَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ، وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحْفِظُ هُنَا مَالِكُ الْمَتَاعِ وَثَمَّ الْمُسْتَحْفِظُ هُوَ الْحَاكِمُ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute