للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا رَدَّ الْمَأْخُوذَ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ ضَمَانُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْجَمِيعُ ضَمِنَ دِرْهَمًا أَوْ النِّصْفَ ضَمِنَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِيَ بِخَلْطِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ، بِخِلَافِ رَدِّ بَدَلِهِ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَجَرَى فِيهِ مَا لَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمِثَالَيْنِ أَوَّلُهُمَا لِنِيَّةِ الْإِمْسَاكِ وَالْأَخْذِ، وَثَانِيهُمَا لِنِيَّةِ الْإِخْرَاجِ.

(وَلَوْ) (نَوَى) بَعْدَ الْقَبْضِ (الْأَخْذَ) أَيْ قَصَدَهُ قَصْدًا مُصَمِّمًا (وَلَمْ يَأْخُذْ) (لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا وَلَا وَضَعَ يَدَهُ تَعَدِّيًا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ كَمَا لَوْ نَوَاهُ ابْتِدَاءً، وَرَدُّهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الِابْتِدَاءِ اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ فَأَثَّرَتْ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا يَضْمَنُهَا مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْأَخْذِ حَتَّى لَوْ نَوَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَخَذَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ وَالْأَرْشَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ تَجْدِيدُ الْقَصْدِ لِأَخْذِهَا لَا مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَدَاعِيَةُ الدِّينِ تَدْفَعُهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ تَرَدَّدَ الرَّأْيَ وَلَمْ يَجْزِمْ فَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حَكَمَ لَهُ حَتَّى يُجَرِّدَ قَصْدَ الْعُدْوَانِ، وَأَجْرَى الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ نَوَى عَدَمَ الرَّدِّ وَإِنْ طَالَبَ الْمَالِكُ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَضْمَنُ هُنَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ.

(وَلَوْ) (خَلَطَهَا) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (بِمَالِهِ) أَوْ مَالِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَجْوَدَ (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ) بِأَنْ عَسُرَ تَمْيِيزُهَا كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (ضُمِّنَ) ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، أَمَّا لَوْ تَمَيَّزَتْ بِنَحْوِ سِكَّةٍ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا إنْ نَقَصَتْ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنُ النَّقْصَ (وَلَوْ) (خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلْمُودِعِ) وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَقَدْ أَوْدَعَهُمَا غَيْرَ مَخْتُومَيْنِ (ضَمِنَ) تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِمَا مَرَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَدِّيهِ.

وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ كُلًّا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَا مَخْتُومَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَيَضْمَنُ بِالْفَضِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْ كَفَتْحِ الصُّنْدُوقِ الْمُقْفَلِ، بِخِلَافِ حَلِّ خَيْطٍ يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْكِيسِ أَوْ رِزْمَةُ الْقُمَاشِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ الِانْتِشَارِ لَا كَتْمُهُ عَنْهُ (وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَمْ يَبْرَأْ) كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا فَوْرًا بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ أَوْ وَكِيلٍ تَعَدَّى، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ ارْتِفَاعِ أَصْلِ الْوَدِيعَةِ بِالْخِيَانَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

(فَإِنْ) (أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ) الرَّشِيدُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ (اسْتِئْمَانًا) أَوْ إذْنًا فِي حِفْظِهَا أَوْ إبْرَاءً أَوْ إيدَاعًا (بَرِئَ) الْوَدِيعُ مِنْ ضَمَانِهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَالثَّانِي لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَيْهِ وَإِلَى وَكِيلِهِ لِخَبَرِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَخَرَجَ بِأَحْدَثَ قَوْلُهُ لَهُ قَبْلَ الْخِيَانَةِ إنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْت عُدْت أَمِينًا فَلَا يَبْرَأُ بِهِ قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلْوَدِيعَةِ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ نَحْوُ وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا فَأَحْدَثَ لَهُ اسْتِئْمَانًا أَوْ نَحْوُهُ فِي الْبَدَلِ لَمْ يَبْرَأْ.

(وَمَتَى) (طَلَبَهَا الْمَالِكُ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ سَكْرَانَ فِيمَا يَظْهَرُ إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُكَلَّفِ (لَزِمَهُ الرَّدُّ) فَوْرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ سَلَّمَهَا لَهُ بِإِشْهَادٍ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

هَذَا التَّفْصِيلُ.

(قَوْلُهُ وَالْأَرْشُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْأَخْذِ وَاتَّصَلَ بِهِ بَعْدَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَوْلِي مِنْ حِينِ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِبَقَاءِ الْأَمَانَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ (قَوْلُهُ: وَأَجْرَى الْخِلَافَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ) قَالَ حَجّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الضَّمَانِ.

(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ وَإِنْ خَلَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ بِالْفَضِّ: أَيْ مَا فَضَّهُ فَقَطْ حَيْثُ لَمْ يَخْلِطْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ أَوْ وَكِيلٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا الرَّدُّ فَوْرًا وَإِنْ تَعَدِّيًا لِبَقَاءِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَإِنْ زَالَتْ الْأَمَانَةُ.

(قَوْلُهُ فَأَحْدَثَ لَهُ اسْتِئْمَانًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْبَدَلِ) وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ ابْتِدَاءً

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: تَجْدِيدُ الْقَصْدِ لِأَخْذِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ إنْ قَصَدَهُ قَصْدًا مُصَمِّمًا فَيَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَهُ فَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>