بِالْوَدِيعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ لِغَيْرِهِمْ.
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: ٧] وَقَوْلُهُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] وَفِي خَبَرِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدْ فَسَّرَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيمَانَ «وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْفَيْءُ مَالٌ) ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ وَإِنْ قِيلَ حَذْفُ اللَّامِ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الِاخْتِصَاصَ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) وَخَرَجَ بِهِ نَحْوُ صَيْدِ دَرَاهِمَ الَّذِي لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ كَمَا فِي أَرْضِنَا (بِلَا قِتَالٍ وَإِيجَافٍ) أَيْ إسْرَاعِ نَحْوِ (خَيْلٍ وَرِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ وَبِلَا مُؤْنَةٍ أَيْ لَهَا وَقْعٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (كَجِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَى حُكْمِهَا، كَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي حُكْمِ الْأُجْرَةِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْلَامِهِمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أُجْرَةً فَحَدُّ الْفَيْءِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ صَبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ وَضَالَّةُ حَرْبِيٍّ بِبِلَادِنَا، بِخِلَافِ كَامِلٍ دَخَلَ دَارَنَا فَأُخِذَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ: أَيْ غَالِبًا، وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ عَلَى بَابِهَا لَا بِمَعْنَى أَوْ إذْ الْأَصْلُ فِيمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ انْتِفَاءُ جَمِيعِهِ لَا مَجْمُوعِهِ كَمَا أَشَارُوا إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ التَّفْوِيضِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْفَيْءِ فَهِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَعُشْرُ تِجَارَةٍ) يَعْنِي مَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِهَا سَاوَى الْعُشْرَ أَمْ لَا (وَمَا جَلَوْا) أَيْ هَرَبُوا (عَنْهُ خَوْفًا) وَلَوْ مِنْ غَيْرِنَا فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَرَدّ تَقْيِيدَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِالْمُسْلِمِينَ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَدَخَلَ فِي الْخَوْفِ مَا جَلَوْا عَنْهُ لِنَحْوِ ضُرٍّ أَصَابَهُمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ شُمُولِهِ لِخَوْفِهِمْ مِنْ غَيْرِنَا.
نَعَمْ هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ فُرِضَ تَرْكُهُمْ مَالًا لِنَحْوِ عَجْزِ دَوَابِّهِمْ عَنْ حَمْلِهِ كَانَ فَيْئًا أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ بَعْدَ تَقَابُلِ الْجَيْشَيْنِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا غَنِمُوا غَيْرَ الْحَيَوَانَاتِ جَمَعُوهَا فَتَجِيءُ نَارٌ فَتَحْرُقُهَا اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي عَيْنِ الْحَيَاةِ حَدِيثَ «قَعَدَ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ» الْحَدِيثَ.
قِيلَ كَانَ فِي شَرْعِ هَذَا النَّبِيِّ أَنَّ عِقَابَ الْحَيَوَانِ بِالتَّحْرِيقِ جَائِزٌ اهـ (قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] لَمَّا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فِي التَّرْجَمَةِ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى دَلِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَسْقُطَ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْمَالُ الْحَاصِلُ مِنْ الْكُفَّارِ فَيْئًا إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاوَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ: أَيْ جَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَقَوْلُهُ لَا مَجْمُوعَةَ: أَيْ يَجِبُ كَوْنُهُ فَيْئًا بِانْتِفَاءِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ وُجِدَ الْآخَرَانِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمَجْمُوعِ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ عَنْ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِنَفْيِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ وُجُودِ الْآخَرَيْنِ، وَقَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ إلَخْ: أَيْ مِنْ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ صِرَاطُ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرُ الضَّالِّينَ، فَاشْتَرَطَ لِكَوْنِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا نَفْيَ كُلِّ مَنْ كَوْنُهُ صِرَاطَ الْمَغْضُوبِ والضالين، وَقَوْلُهُ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي الْغَنِيمَةُ مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تَتَحَقَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقِتَالِ وَالْإِيجَافِ، فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَلَوْ جُعِلَتْ عَلَى بَابِهَا لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الْمَالِ غَنِيمَةً مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِتَالِ وَالْإِيجَافِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ صَبِيٌّ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَرْأَةُ حَيْثُ دَخَلَا بِلَا أَمَانٍ مِنَّا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ: أَيْ فَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَقَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي الْخَوْفِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ مَا جَلَوْا: أَيْ الْكُفَّارُ، وَقَوْلُهُ نَعَمْ هُوَ: أَيْ الْخَوْفُ،
[حاشية الرشيدي]
سُمِّيَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا إلَخْ، فَجَعَلَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ شَرْحًا وَبَيَانًا لِمَا قَالَهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَرُّفِ نَحْوُ الْوَضْعِ فِي الْحِرْزِ وَالنَّقْلِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لِلْحَاجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَحَدُّ الْفَيْءِ صَادِقٌ عَلَيْهِ) أَيْ إلَى إسْلَامِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كُفَّارٍ. أَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْلَامِهِمْ فَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَاصِّيَّةِ الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْأُجْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute