للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُسَكِّنُهَا غَيْرُهُ (أُعْطِيَ) إنْ حَلَّ الدَّيْنُ هُنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (مَعَ الْغَنِيِّ) وَلَوْ بِنَقْدٍ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا) يُعْطَى إذْ لَيْسَ فِي صَرْفِهِ إلَى الدَّيْنِ مَا يَهْتِكُ الْمُرُوءَةَ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمَلْحَظَ هُنَا الْحَمْلُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ، وَأَفْهَمَ ذِكْرَهُ الِاسْتِدَانَةَ الدَّالُّ عَلَيْهَا الْعَطْفُ، كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَدَانَ وَوَفَّى مِنْ مَالِهِ، وَمِنْ الْغَارِمِ الضَّامِنِ لِغَيْرِهِ لَا لَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِمَا عَلَى مُعْسِرٍ فَيُعْطَى.

فَإِنْ وَفَّى فَلَا رُجُوعَ كَمُعْسِرٍ مُلْتَزِمٍ بِمَا عَلَى مُوسِرٍ بِلَا إذْنٍ، وَصَرْفُهُ إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ أَوْلَى أَوْ هُوَ مُوسِرٌ بِمَا عَلَى مُوسِرٍ فَلَا، وَشَمَلَ ذَلِكَ الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ وَبِدُونِهِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشِّقِّ الثَّانِي وَاسْتَوْجَهَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَوْ مُوسِرٌ بِمَا عَلَى مُعْسِرٍ أُعْطِيَ دُونَ الضَّامِنِ، وَمَنْ اسْتَدَانَ لِنَحْوِ عِمَارَةِ مَسْجِدٍ وَقِرَى ضَيْفٍ وَفَكِّ أَسِيرٍ يُعْطَى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ النَّقْدِ لَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ، كَذَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ اسْتَدَانَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْحِجَازِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَا أَثَرَ لِغِنَاهُ بِالنَّقْدِ أَيْضًا حَمْلًا عَلَى هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ الْعَامِّ نَفْعُهَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ مُكَاتَبٌ وَنَحْوُ غَارِمٍ وَابْنِ سَبِيلٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ صَرْفُ قَدْرِ مَا أَخَذَ فِيمَا أَخَذَ لَهُ.

(وَسَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ) أَيْ لَا سَهْمَ لَهُمْ فِي دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ بَلْ هُمْ مُتَطَوِّعَةٌ يَغْزُونَ إذَا نَشِطُوا بَلْ هُمْ فِي حِرَفِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ وَسَبِيلُ اللَّهِ وَضْعًا الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ لَهُ تَعَالَى، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الشَّهَادَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا لَا فِي مُقَابِلٍ فَكَانُوا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ الْمُخَالِفِ لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْحَجِّ لِحَدِيثٍ فِيهِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ: أَيْ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ الَّتِي زَعَمَهَا الْحَاكِمُ، وَإِلَّا فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ مَجْهُولًا، وَبِأَنَّ فِيهِ عَنْعَنَةَ مُدَلِّسٍ وَبِأَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا بِأَنَّا لَا نَمْنَعُ أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي مُرَادِ الْآيَةِ بِسَبِيلِ اللَّهِ لَا سِيَّمَا وَخَبَرُ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إلَّا لِخَمْسَةٍ، ذَكَر مِنْهَا الْغَازِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ ذَكَرْنَاهُ (فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغَنِيِّ) إعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْغَزْوِ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ كَمَا لَا حَظَّ لِأَهْلِهِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنْ عُدِمَ وَاضْطُرِرْنَا إلَى الْمُرْتَزِقِ أَعَانَهُ الْأَغْنِيَاءُ مِنَّا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا مِنْ الزَّكَاةِ.

(وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَفِيهِ تَغْلِيبٌ (مُنْشِئُ سَفَرٍ) مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَطَنَهُ، وَقُدِّمَ اهْتِمَامًا بِهِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِيهِ إذْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِدَلِيلٍ هُوَ عِنْدَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الثَّانِي بِجَامِعِ احْتِيَاجِ كُلٍّ لِأُهْبَةِ السَّفَرِ (أَوْ مُجْتَازٌ) بِهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازِمَتِهِ السَّبِيلَ، وَهِيَ الطَّرِيقُ، وَأُفْرِدَ فِي الْآيَةِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَحَلُّ الْوِحْدَةِ وَالِانْفِرَادِ (وَشَرْطُهُ) مِنْ جِهَةِ الْإِعْطَاءِ لَا التَّسْمِيَةِ (الْحَاجَةُ) بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَقُومُ بِحَوَائِجِ سَفَرِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِغَيْرِهِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنْ وَجَدَ مِنْ يُقْرِضُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعَدَمِ وُجُودِ مُقْرِضٍ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي السَّفَرِ وَالْحَاجَةَ فِيهِ أَغْلَبُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَوْ بِلَا مَشَقَّةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ هُنَا دُونَ مَا مَرَّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي ذِمَّتِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مَا يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ كَإِبِلِ الدِّيَةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَفَّى) يَعْنِي الضَّامِنَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ

(قَوْلُهُ: لَا فِي مُقَابِلِ) هِيَ بِمَعْنَى اللَّامِ

(قَوْلُهُ وَعَدَمِ وُجُودِ مُقْرِضٍ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ وَفَّى) وَفِي عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِذَا قَضَى وَقَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ: أَيْ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ مِنْ مَالِهِ (قَوْلُهُ: إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ) أَيْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ) أَيْ ضَمَانُ الْمُوسِرِ مَا عَلَى الْمُوسِرِ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الثَّانِي) أَيْ قَوْلِهِ وَبِدُونِهِ

(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ وُجُودِ مُقْرِضٍ) تَبِعَ فِي هَذِهِ الْإِحَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>