للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَصْرِفُهُ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) طَاعَةً كَانَ أَوْ مُبَاحًا وَإِنْ صَرَفَهُ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَتُبْ إذَا عُلِمَ قَصْدُهُ الْإِبَاحَةَ أَوْ لَا، لَكِنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرَائِنَ تُفِيدُ مَا ذُكِرَ، وَتَمْثِيلُ الرَّافِعِيِّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْمَعْصِيَةِ بِمَا لَوْ اشْتَرَى خَمْرًا فِي ذِمَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى كَافِرٍ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا فِي الْكُفْرِ فَيَسْتَقِرُّ بَدَلُهَا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ يُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَدَانَ شَيْئًا فَقَصَدَ صَرْفَهُ فِي تَحْصِيلِ خَمْرٍ وَصَرَفَهُ فِيهِ فَالِاسْتِدَانَةُ بِهَذَا الْقَصْدِ مَعْصِيَةٌ، وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ أَسْرَفَ فِي النَّفَقَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنْ صَرَفَ الْمَالَ فِي الْمَلَاذِّ الْمُبَاحَةِ لَيْسَ بِصَرْفِ مَحَلِّهِ فِيمَنْ يَصْرِفُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ غَيْرِ رَجَاءِ وَفَائِهِ: أَيْ حَالًّا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ.

لَا يُقَالُ: لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْإِسْرَافِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْإِسْرَافِ هُنَا الزَّائِدُ عَلَى الضَّرُورَةِ أَمَّا الِاقْتِرَاضُ لِلضَّرُورَةِ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وُجُوبِ الْبَيْعِ لِلْمُضْطَرِّ الْمُعْسِرِ، وَإِنَّمَا (أُعْطِيَ) الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِتَقْصِيرِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ لِلْمَعْصِيَةِ مَعَ صَرْفِهَا فِيهَا (قُلْت: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ) حَالًّا إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَكَذَا إذَا صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ كَعَكْسِهِ السَّابِقِ، وَلَا يُعْطَى غَارِمٌ مَاتَ وَلَا وَفَاءَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَصَى بِهِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ.

وَالثَّانِي لَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً ثُمَّ يَعُودُ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِينِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ كَمَا رَجَحَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ فَيُتْرَكُ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ: أَيْ الْكِفَايَةُ السَّابِقَةُ لِلْعُمْرِ الْغَالِبِ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ صَرَفَهُ فِي دَيْنِهِ وَتَمَّمَ لَهُ بَاقِيَهُ وَإِلَّا قَضَى عَنْهُ الْكُلَّ، وَلَا يُكَلَّفُ كَسُوبٌ الْكَسْبَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ غَالِبًا إلَّا بِتَدْرِيجٍ، وَفِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ.

وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَلَسِ مِنْ وُجُوبِ الِاكْتِسَابِ عَلَى عَاصٍ بِالِاسْتِدَانَةِ يَجِيءُ نَظِيرُهُ هُنَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ حَقُّ آدَمِيٍّ فَغَلُظَ فِيهِ أَكْثَرُ (دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى الْآنَ مَدِينًا (قُلْت: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) .

لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ (أَوْ) اسْتَدَانَ (لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ الْحَالُ بَيْنَ الْقَوْمِ بِأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَا فِي قَتِيلٍ أَوْ مَالٍ مُتْلَفٍ، وَإِنْ عَرَفَ قَاتَلَهُ أَوْ مُتْلِفَهُ فَيَسْتَدِينُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ الْفِتْنَةَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَى قَوْلِهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ إلَخْ

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ) هُوَ مَنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ دُونَ الْمَعْصِيَةِ، وَالثَّانِي هُوَ مَنْ اسْتَدَانَ لِلْمَعْصِيَةِ وَصَرَفَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: لَا يُطَالِبُ بِهِ) أَيْ الْآنَ (قَوْلُهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكُنٌ) أَيْ صَارَ مِسْكِينًا (قَوْلُهُ: فَيَسْتَدِينُ مَا يَسْكُنُ بِهِ) فِي سم عَلَى حَجّ: قَدْ يُقَالُ الِاسْتِدَانَةُ بِالْقَرْضِ وَلَا يَكُونُ إلَّا حَالًا إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَتَمْثِيلُ الرَّافِعِيِّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْمَعْصِيَةِ) هَذَا سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ: وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أُعْطِي أَوْ لِمَعْصِيَةٍ فَلَا قُلْت إلَخْ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَتَمْثِيلُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ مِنْ تَعَلُّقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِمَعْصِيَةٍ فَلَا الَّذِي سَقَطَ شَرْحُهُ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ، وَفِي نُسَخِ الشَّارِحِ أَيْضًا كِتَابَةً أُعْطِيَ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي آخِرَ السَّوَادَةِ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إلَخْ بِالْأَحْمَرِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَمَا عَرَفْت (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الدَّائِنِ الَّتِي كُنَّا نُعْطِيهِ لِدَفْعِهَا قَدْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُطَالَبَةِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْمُطَالَبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْمُطَالَبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي التُّحْفَةِ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِلشَّارِحِ مَعَ الْمَتْنِ أَوْ اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِحَسَبِ مَا حَلَّ بِهِ الشَّارِحُ الْمَتْنَ أَوَّلًا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ الَّذِي قَطَعَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمَتْنِ قَبْلُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَى فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ وَإِنَّمَا يُعْطَى إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَوْ اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُعْطِيَ غَيْرُهُ مُتَعَلِّقًا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَإِلَّا صَارَ مُهْمَلًا فَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>