الْحُلُولِ فِي الْمُؤَجَّلِ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِسُنَّةٍ، وَمَعَ حُرْمَةِ التَّصَدُّقِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ التَّحْرِيمِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّمِ يَحْرُمُ عَلَى عَطْشَانَ إيثَارُ عَطْشَانَ آخَرَ فَلَا يُنَافِيهِ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ جَوَازِهِ بِذَلِكَ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّمِ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ إيثَارُ مُضْطَرٍّ آخَرَ مُسْلِمٍ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يَشْمَلُ نَفْسَهُ أَيْضًا، وَاسْتِشْكَالُ جَمْعِ ذَلِكَ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ تَصَدَّقُوا بِمَا يَحْتَاجُونَهُ لِعِيَالِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى عِلْمِهِمْ مِنْ عِيَالِهِمْ الْكَامِلِينَ الرِّضَا وَالصَّبْرَ وَالْإِيثَارَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ جَمْعٍ لَوْ كَانَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بَالِغًا عَاقِلًا وَرَضِيَ بِذَلِكَ كَانَ الْأَفْضَلُ التَّصَدُّقَ، أَمَّا إذَا ظَنَّ وَفَاءَ دَيْنِهِ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَوْ عِنْدَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ حَالًّا بَلْ قَدْ يُسَنُّ.
نَعَمْ إنْ وَجَبَ أَدَاؤُهُ فَوْرًا لِطَلَبِ صَاحِبِهِ لَهُ أَوْ لِعِصْيَانِهِ بِسَبَبِهِ مَعَ عَدَمِ رِضَا صَاحِبِهِ بِالتَّأْخِيرِ حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ قَبْلَ وَفَائِهِ مُطْلَقًا: كَمَا تَحْرُمُ صَلَاةُ النَّفْلِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ فَوْرِيٌّ.
(وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) الْمَارَّةِ مِنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ وَمُمَوَّنِهِ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِمْ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ (أَوْجَهُ) أَحَدُهُمَا: تُسَنُّ مُطْلَقًا.
ثَانِيهَا لَا مُطْلَقًا.
ثَالِثُهَا وَهُوَ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ (إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ اُسْتُحِبَّ) ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَقَبِلَهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَإِلَّا) بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ (فَلَا) يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يُكْرَهُ لِخَبَرِ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ غِنَى النَّفْسِ، وَهُوَ صَبْرُهَا عَلَى الْفَقْرِ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ جَمَعَ بَيْنَ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ كَهَذَا الْحَدِيثِ.
أَمَّا التَّصَدُّقُ بِبَعْضِ الْفَاضِلِ عَنْ ذَلِكَ فَيُنْدَبُ اتِّفَاقًا، نَعَمْ الْمُقَارِبُ لِلْكُلِّ كَالْكُلِّ، وَخَرَجَ بِالصَّدَقَةِ الضِّيَافَةُ فَلَا يُشْتَرَطُ فَضْلُهَا عَنْ مُؤْنَةِ مَا ذُكِرَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِي وُجُوبِهَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إيثَارُهَا إلَى إلْحَاقِ أَدْنَى ضَرَرٍ بِمُمَوَّنِهِ الَّذِي لَا رِضَا لَهُ، عَلَى أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ إمْسَاكُ الْفَضْلِ وَغَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَبَحَثَ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاقِي مَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا أَيْضًا إذَا كَانَ بِالنَّاسِ ضَرُورَةٌ لَزِمَهُ بَيْعُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ سَنَةً، فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ: يَلْزَمُ الْمُوسِرَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِهِ ضَرَرٌ أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ الضَّرَرُ مِنْ جَرَّائِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا (قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ صَاحِبُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ وَجَبَ أَدَاؤُهُ فَوْرًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْكِتَابِ) هُوَ قَوْلُهُ: بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ) أَيْ بِمَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يَدْفَعُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّ كَجَدِيدٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: قَبْلَ وَفَائِهِ مُطْلَقًا) أَيْ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: كَمَا تَحْرُمُ صَلَاةُ النَّفْلِ) يَنْبَغِي إلَّا رَوَاتِبَ ذَلِكَ الْفَرْضِ الْفَوْرِيِّ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَكَذَا لَوْ خَافَ فَوْتَ رَاتِبِ الْحَاضِرَةِ فَيُقَدِّمَهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا
(قَوْلُهُ: وَقَبِلَهُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: خَالَفَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) أَيْ فَجَعَلَ الضِّيَافَةَ كَالصَّدَقَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ا. هـ. شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: إمْسَاكُ الْفَضْلِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْفَاضِلِ الَّذِي يُكْرَهُ إمْسَاكُهُ، وَمَا الْمُرَادُ بِالْفَاضِلِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ إنْ صَبَرَ، وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَصْبِرْ، وَلِعِلَّةٍ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَبَحَثَ غَيْرُهُ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَاضِلَ هُوَ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْفَضْلِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاقِي) هُوَ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقُوتِ عِيَالِهِ سَنَةً) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَدَّ الضَّرَرُ وَإِلَّا أَجْبَرَهُ عَلَى بَيْعِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إلَخْ) أَيْ فِي الْحَيْضِ فَلْيُرَاجَعْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ:: كَهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ مَعَ خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ. اهـ. فَلَعَلَّ هَذَا سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ أَيْضًا فِي الشَّارِحِ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ.