الْمَحْرَمِ وَالرَّحِمُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ سَوَاءٌ، ثُمَّ مَحْرَمُ الرَّضَاعِ ثُمَّ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى ثُمَّ مِنْ أَسْفَلَ أَفْضَلُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي نَحْوِ الزَّكَاةِ أَيْضًا إذَا كَانُوا بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَدُوِّ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْلَى لِخَبَرٍ فِيهِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْعَدُوَّ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَ) دَفْعُهَا بَعْدَ الْقَرِيبِ إلَى (جَارٍ أَفْضَلُ) مِنْهُ لِغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَرِيبَ الْبَعِيدَ الدَّارِ فِي الْبَلَدِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي غَيْرِهَا، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ الْأَخْذُ مِمَّنْ بِيَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ كَالسُّلْطَانِ الْجَائِرِ، وَتَخْتَلِفُ الْكَرَاهَةُ بِقِلَّةِ الشُّبْهَةِ وَكَثْرَتِهَا، وَلَا يَحْرُمُ إلَّا إنْ تَيَقُّنَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَرَامِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهِ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ يَحْرُمُ الْأَخْذُ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَكَذَا مُعَامَلَتُهُ شَاذٌّ انْفَرَدَ بِهِ: أَيْ عَلَى أَنَّهُ فِي بَسِيطِهِ جَرَى عَلَى الْمَذْهَبِ فَجَعَلَ الْوَرَعَ اجْتِنَابَ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ رِبًا، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ رِبًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْإِمْلَاكِ الْيَدُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَنَا فِيهِ أَصْلٌ آخَرُ يُعَارِضُهُ فَاسْتُصْحِبَ وَلَمْ يُنَلْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ا. هـ.
قَالَ غَيْرُهُ: وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الْحَرَامِ إنْ قَصَدَ بِهِ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُفْتِيًا أَوْ حَاكِمًا أَوْ شَاهِدًا فَيَلْزَمُهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَالِكِهِ لِئَلَّا يَسُوءُ اعْتِقَادُ النَّاسِ فِي صِدْقِهِ وَدِينِهِ فَيَرُدُّونَ فَتْوَاهُ وَحَكَمَهُ وَشَهَادَتَهُ (وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ) لَهُ (أَنْ لَا يَتَصَدَّقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) تَقْدِيمًا لِلْأَهَمِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَهَمِّيَّةَ الدَّيْنِ إنْ لَمْ تَقْتَضِي الْحُرْمَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَقْتَضِيَ طَلَبَ عَدَمِ الصَّدَقَةِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَا يَقُولُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَدَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ إذَا تَصَدَّقَ بِنَحْوِ رَغِيفٍ مِمَّا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَدْفَعْهُ لِجِهَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسَارَعَةَ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنْ التَّطَوُّعِ عَلَى الْجُمْلَةِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ) وَمِنْهَا إبْرَاءُ مَدِينٍ لَهُ مُوسِرٌ فِيمَا يَظْهَرُ مُقِرًّا وَلَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ (بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) حَالًا (لِنَفَقَةِ) وَمُؤْنَةِ (مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ (لَا يَرْجُو) أَيْ يَظُنُّ (لَهُ وَفَاءَ) حَالًّا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِعْطَاءُ السَّائِلِ فِيهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، ثُمَّ أَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ اهـ.
وَقَوْلُ سم السُّؤَالُ فِي الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ التَّعَرُّضُ، وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِيُتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ وَشَمَلَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ السَّائِلُ فِي الْمَسْجِدِ يَسْأَلُ لِغَيْرِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ وَإِلَّا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ (قَوْلُهُ: وَالْعَدُوُّ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْلَى) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّ إعْطَاءَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى زِيَادَةِ الضَّرَرِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ خَوْفًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَدَفْعُهَا بَعْدَ الْقَرِيبِ) أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَلَدِ: أَيْ وَفِي غَيْرِ الْبَلَدِ.
قَالَ حَجّ: وَفِي غَيْرِهَا الْجَارُ أَوْلَى مِنْهُ اهـ.
وَهِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَأَهْلُ الْخَيْرِ) أَيْ حَيْثُ كَانُوا فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا إبْرَاءُ مَدِينٍ) . [فَرْعٌ] أَبْرَأهُ لِظَنِّ إعْسَارِهِ فَتَبَيَّنَ غِنَاهُ نَفَذَتْ الْبَرَاءَةُ، أَوْ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ فَتَبَيَّنَ غِنَاهُ بَطَلَتْ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ وَفِيهِ أَيْضًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَمْ يَضْبِطْ الْحَاجَةَ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ هِيَ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ أَوْ مَا يَدْفَعُ الْمَشَقَّةَ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِعِيَالِهِ وَإِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِأَنَّ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي غَيْرِهَا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَفْضَلُ مِنْ الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي غَيْرِهَا الْجَارُ أَوْلَى مِنْهُ انْتَهَتْ.
فَلَعَلَّ الْوَاوَ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا وَمَا بَعْدَ غَيْرِهَا سَقَطَتْ مِنْ الْكَتَبَةِ فِي الشَّارِحِ.