مَحْمُولٌ عَلَى الْقَطْعِ لَهَا مُطْلَقًا (فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ) أَيْ يَتَّقِ (لَهُ) أَيْ لِلنِّكَاحِ بِعَدَمِ تَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ خِلْقَةً أَوْ لِعَارِضٍ وَلَا عِلَّةَ بِهِ (كُرِهَ) لَهُ (إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ) لَا الْتِزَامُهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ نِكَاحِ السَّفِيهِ الْحَاجَةُ فَلَا يُرَدُّ هُنَا (وَإِلَّا) بِأَنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ لِلنِّكَاحِ (فَلَا) يُكْرَهُ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَمَقَاصِدُهُ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْوَطْءِ، بَلْ بَحَثَ جَمْعٌ نَدْبَهُ لِحَاجَةِ تَأَنُّسٍ وَخِدْمَةٍ.
وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ (لَكِنَّ الْعِبَادَةَ) أَيْ التَّخَلِّي لَهَا مِنْ الْمُتَعَبِّدِ (أَفْضَلُ) مِنْهُ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَقَدَّرْنَا مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَاتِ النِّكَاحِ قَطْعًا، وَيَصِحُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَيَكُونُ " أَفْضَلُ " بِمَعْنَى فَاضِلٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَلَوْ لِابْتِغَاءِ النَّسْلِ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ مَمْنُوعٌ، إذْ صِحَّتُهُ مِنْهُ لَا تَنْفِي كَوْنَهُ عِبَادَةً كَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ، وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ إنْ قُصِدَ بِهِ طَاعَةٌ مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ إعْفَافٌ كَانَ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ مُبَاحًا وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْكَلَامَانِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ نِكَاحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَمَّا هُوَ فَقُرْبَةٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ نَشْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَحَاسِنِهِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَمِنْ ثَمَّ وَسَّعَ لَهُ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ مَا لَمْ يُوَسِّعْ لِغَيْرِهِ لِيَحْفَظَ كُلَّ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ لِتَعَذُّرِ إحَاطَةِ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ بِهَا لِكَثْرَتِهَا بَلْ خُرُوجِهَا عَنْ الْحَصْرِ.
(قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ) مِنْ الْبَطَالَةِ لِئَلَّا تُفْضِيَ بِهِ إلَى الْفَوَاحِشِ، فَأَفْضَلُ هُنَا بِمَعْنَى فَاضِلٍ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي تَرْكُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ لِلْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ «اتَّقُوا اللَّهَ وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ مِنْ النِّسَاءِ» (فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ) كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ يَعِنُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ (كُرِهَ) لَهُ النِّكَاحُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ حَاجَتِهِ مَعَ عَدَمِ تَحْصِينِ الْمَرْأَةِ الْمُؤَدِّي غَالِبًا إلَى فَسَادِهَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْإِحْيَاءِ يُسَنُّ لِنَحْوِ مَمْسُوحٍ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ كَمَا يُسَنُّ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَصْلَعِ، وَقَوْلُ الْفَزَارِيِّ: أَيْ نَهْيٌ وَرَدَ فِي نَحْوِ الْمَجْبُوبِ وَالْحَاجَةُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْجِمَاعِ، وَمَا اقْتَضَاهُ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ عَدَمِ مَجِيءِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَفِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا نَدَبَهُ لِلتَّائِقَةِ وَأَلْحَقَ بِهَا مُحْتَاجَةً لِلنَّفَقَةِ وَخَائِفَةً مِنْ اقْتِحَامِ فَجَرَةٍ، وَفِي التَّنْبِيهِ مَنْ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ إنْ احْتَاجَتْهُ نُدِبَ لَهَا وَإِلَّا كُرِهَ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ نَقَلَ وُجُوبَهُ عَلَيْهَا.
إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهَا الْفَجَرَةُ إلَّا بِهِ، وَبِمَا ذَكَرَ عُلِمَ ضَعْفُ قَوْلِ الزَّنْجَانِيِّ يُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا، إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْقِيَام بِأَمْرِهَا وَسِتْرِهَا، وَقَوْلُ غَيْرِهِ لَا يُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا حُقُوقًا خَطِيرَةً لِلزَّوْجِ لَا يَتَيَسَّرُ لَهَا الْقِيَامُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَتْ مِنْ نَفْسِهَا عَدَمَ الْقِيَامِ بِهَا وَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ حُرُمَ عَلَيْهَا اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ آخِرًا ظَاهِرٌ. .
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الصَّوْمُ عَلَى الظَّنِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَقَدَّرْنَا مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّخَلِّي لَهَا (قَوْلُهُ: وَمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّقْدِيرُ؟ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) أَيْ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مُطْلَقًا، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ جَمْعٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ مَمْنُوعٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذْ صِحَّتُهُ مِنْهُ) أَيْ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: وَيُثَابُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَصْدِ وَالنِّكَاحُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَصَرِيحُ الشَّارِحِ هُنَا خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ قَصْدِ الطَّاعَةِ يُصَيِّرُ نَفْسَهُ طَاعَةً وَعِنْدِ عَدَمِ قَصْدِهَا هُوَ مُبَاحٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ: فِيمَا مَرَّ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ يَقْتَضِي بَقَاءَهُ عَلَى إبَاحَتِهِ (قَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ النِّكَاحُ) لَوْ طَرَأَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ لَا لِقُوَّةِ الدَّوَامِ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالثَّانِي هُوَ الْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَرَدَ فِي نَحْوِ الْمَجْبُوبِ) أَيْ فِي تَزَوُّجِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ وُجُوبَهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ بِحَاجَتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ كَاسْتِعْمَالِهَا الطِّيبَ إذَا أَمَرَهَا بِهِ وَالتَّزَيُّنِ بِأَنْوَاعِ الزِّينَةِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَإِحْضَارِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ لَهَا، وَلَيْسَ مِنْ الْحَاجَةِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ تَهْيِئَةِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لِلزَّوْجِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهَا)
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute