للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مُعَارِضٌ لِمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِلْآيَةِ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ عَدَمُ التَّعَارُضِ فِي ذَلِكَ إذْ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِ السِّتْرِ وَاجِبًا عَلَيْهِنَّ فِي ذَاتِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً عَامَّةً وَفِي تَرْكِهِ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ مَرْدُودَةٌ، إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّ السِّتْرَ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْجَمْعُ، وَكَلَامُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ كُرِهَ، وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَحَيْثُ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى الْمُنْتَقِبَةِ الَّتِي لَا يَبِينُ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنَيْهَا وَمَحَاجِرِهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ خَنَاجِرِ، وَأَفْهَمَ تَخْصِيصُ الْكَلَامِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حُرْمَةَ كَشْفِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْبَدَنِ، وَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ حِلِّ نَظَرِ وَجْهِ وَكَفٍّ عَجُوزٍ تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ مِنْ نَظَرِهَا لِآيَةِ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: ٦٠] ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ مِنْ سَدِّ الْبَابِ وَأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ، وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ بَلْ فِيهَا إشَارَةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِغَيْرِ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ، وَاجْتِمَاعُ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَسٍ بِأُمِّ أَيْمَنَ وَسُفْيَانَ وَأَضْرَابِهِ بِرَابِعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَسْتَلْزِمُ النَّظَرَ، عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ لَا يُقَاسُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ جَوَّزُوا لِمِثْلِهِمْ الْخَلْوَةَ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (بَيْنَ) فِيهِ تَجَوُّزٌ أَوْضَحَهُ قَوْلُهُ الْآتِي إلَّا مَا بَيْنَ (السُّرَّةِ وَرُكْبَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فَيَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ إجْمَاعًا (وَيَحِلُّ) نَظَرُ (مَا سِوَاهُ) حَيْثُ لَا شَهْوَةَ وَلَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُحَرِّمُ الْمُنَاكَحَةَ فَكَانَا كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلَوْتُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ) جَمْعُ مَحْجِرٍ كَمَجْلِسٍ وَهُوَ مَا يَبْدُو مِنْ النِّقَابِ ا. هـ. مُخْتَارُ.

وَفِي الْقَامُوسِ: الْمَحْجِرُ كَمَجْلِسِ وَمِنْبَرِ الْحَدِيقَةُ وَمِنْ الْعَيْنِ مَا دَارَ بِهَا وَبَدَا مِنْ الْبُرْقُعِ أَوْ مَا يَظْهَرُ مِنْ نِقَابِهَا (قَوْلُهُ: وَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ إلَخْ) أَيْ وَمِنْ أَنَّ لِكُلِّ إلَخْ، فَالْعَجُوزُ الَّتِي لَا تَشْتَهِي قَدْ يُوجَدُ لَهَا مَنْ يُرِيدُهَا وَيَشْتَهِيهَا (قَوْلُهُ: بَلْ فِيهَا إشَارَةٌ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْإِشَارَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا جَوَازُ النَّظَرِ إنْ لَمْ تَتَبَرَّجْ بِالزِّينَةِ وَمَفْهُومُهَا الْحُرْمَةُ إذَا تَزَيَّنَتْ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ

(قَوْلُهُ: إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ) فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ نَظَرُ مَا بَيْنَهُمَا لَا نَفْسُ مَعْنَى بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ مَعْنًى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ) هُوَ حَجّ (قَوْلُهُ: مَرْدُودَةٌ إذْ الظَّاهِرُ كَلَامُهُمَا إلَخْ) هَذَا لَا يُلَاقِي مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْبَعْضُ،؛ لِأَنَّ حَاصِلَ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لِوُجُوبِ سَتْرِهَا وَجْهَهَا فِي طَرِيقِهَا وَإِنْ فَهِمَهُ مِنْهُ الْإِمَامُ حَتَّى وَجَّهَهُ بِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهَذَا لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَلَا يَصِحُّ رَدُّهُ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ الَّتِي دَفَعَهَا لَيْسَتْ بَيْنَ الْجَوَازِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْحُرْمَةِ وَإِنَّمَا هِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ تَخْصِيصُ الْكَلَامِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَأَفْهَمَ تَخْصِيصُ حِلِّ الْكَشْفِ بِالْوَجْهِ حُرْمَةَ كَشْفِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْبَدَنِ حَتَّى الْيَدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَمُحْتَمَلٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكَشَفَهَا بِخِلَافِ الْوَجْهِ انْتَهَتْ.

وَقَوْلُهُ تَخْصِيصَ حِلِّ الْكَشْفِ بِالْوَجْهِ: أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَالَ فِي التُّحْفَةِ إلَى تَرْجِيحِهِ، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ مُرَادَهُمْ مَا فِي الْمَتْنِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ مَا فِي الْمَتْنِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ حِلٍّ وَلَا كَشْفٍ

(قَوْلُهُ: فِيهِ تَجَوُّزٌ) أَيْ حَيْثُ جَعَلَ بَيْنَ مَفْعُولًا بِهِ وَأَخْرَجَهَا عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَهِيَ مِنْ الظُّرُوفِ الْغَيْرِ الْمُتَصَرِّفَةِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ الْمَفْعُولِ بِهِ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ شَيْئًا بَيْنَ إلَخْ (قَوْلُهُ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلْوَتُهُ) بِمَعْنَى أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>