الصَّحِيحُ «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ أَمَتِك» أَيْ فَهِيَ أَوْلَى أَنْ لَا تَحْفَظَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لَا لَهَا وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهَا تَمْكِينُهُ وَلَا عَكَسَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ نَظَرُ الْفَرْجِ لِخَبَرِ «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى» أَيْ فِي النَّاظِرِ أَوْ الْوَلَدِ أَوْ الْقَلْبِ، حَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَخَطَّأَ ابْنَ الْجَوْزِيَّ فِي ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَرُدَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَنْكَرَ الْفَارِقِيُّ جَرَيَانَ خِلَافٍ فِي حُرْمَةِ نَظَرِهِ حَالَةَ الْجِمَاعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ، وَتَقَدَّمَ جَوَازُ النَّظَرِ لِحَلْقَةِ الدُّبْرِ وَمَسِّهَا وَالتَّلَذُّذِ بِهَا بِمَا سِوَى الْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ أَجْزَائِهَا مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِيلَاجِ، وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ فَلَا خِلَافَ فِي حِلِّهِ وَلَوْ لِلْفَرْجِ وَبِحَالِ الْحَيَاةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ بِشَهْوَةٍ وَبِاَلَّتِي تَحِلُّ زَوْجَتُهُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ وَنَحْوُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا نَظَرُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا مُتَّصِلًا حَرُمَ نَظَرُهُ مُنْفَصِلًا كَقُلَامَةِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَكَذَا وَجْهُهَا إلَى آخِرِهِ، وَشَعْرُ امْرَأَةٍ وَعَانَةُ رَجُلٍ فَتَجِبُ مُوَارَاتُهَا، وَالْمُنَازَعَةُ فِي هَذَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ بِإِلْقَائِهِمَا فِي الْحَمَّامَاتِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِمَا يَرُدُّ ذَلِكَ مَرْدُودَةٌ.
قَالُوا: وَكَدَمِ فَصْدٍ وَمَا قِيلَ مَا لَمْ يَتَمَيَّزْ بِشَكْلِهِ كَفَضْلَةٍ أَوْ شَعْرٍ يَنْبَغِي حَلُّهُ مَرْدُودٌ، فَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ احْتِمَالًا لِلْإِمَامِ، ثُمَّ ضَعَّفَهُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا اعْتَمَدَ حَجّ الْجَوَازَ وَلَوْ مَنَعَهَا، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: فَرْعٌ: الْخِلَافُ الَّذِي فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لَا يَجْرِي فِي مَسِّهِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِتَحْرِيمِ مَسِّ الْفَرْجِ لَهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ، وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرَّجُلِ أَنْ يَمَسَّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ أَنْ تَمَسَّ فَرْجَ زَوْجِهَا سُبْكِيٌّ اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ بِلَا ضَرَرٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهَا تَمْكِينُهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْهَا ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهَا تَمْكِينُهُ: أَيْ وَإِنْ تَكَرَّرَ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ) الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لَرَدِّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ لَكِنَّ تَضْعِيفَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ لَهُ لَا يَقْتَضِي وَضْعَهُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ رَدُّ تَحْسِينِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحِلُّ بِشَهْوَةٍ) أَيْ النَّظَرُ وَأَفْهَمَ حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا (قَوْلُهُ: زَوْجَتُهُ الْمُعْتَدَّةُ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ أَمَةٍ) كَالْمُشْرِكَةِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ قُلَامَةِ ظُفْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ حَيْثُ جَازَ نَظَرُ الْأَوَّلِ وَحَرُمَ نَظَرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ مُوَارَاتُهَا) أَيْ قُلَامَةِ الظُّفْرِ وَشَعْرِ الْمَرْأَةِ وَعَانَةِ الرَّجُلِ وَإِطْلَاقُ الْقُلَامَةِ شَامِلٌ لِقُلَامَةِ ظُفْرِ الرَّجُلِ، وَعَلَيْهِ فَتَقْيِيدُ وُجُوبِ الْمُوَارَاةِ لِلشَّعْرِ بِعَانَتِهِ مُشْكِلٌ، وَقِيَاسُ الْقُلَامَةِ تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ حَتَّى شَعْرِ الرَّأْسِ فَلْيُرَاجَعْ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَقَ عَانَتَهُ مُوَارَاةُ شَعْرِهَا لِئَلَّا يُنْظَرَ إلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ حَجّ وُجُوبَ مُوَارَاةِ الظُّفْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالشَّعْرِ اهـ.
وَقِيَاسُهُ عَكْسُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ حُرْمَةِ نَظَرِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ: يُرَدُّ ذَلِكَ) لَمْ يَذْكُرْ خَبَرًا لِقَوْلِهِ وَالْمُنَازَعَةُ، وَفِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ يُرَدُّ ذَلِكَ قَدَّمْت فِي مَبْحَثِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّارِعِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مَا يَرُدُّهُ فَرَاجِعْهُ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ مَرْدُودَةٌ (قَوْلُهُ: كَفَضْلَةٍ) تَعْبِيرُهُ بِمَا قَدْ يَشْمَلُ بَوْلَ الْمَرْأَةِ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ لِمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ بَوْلُ امْرَأَةٍ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: هَلْ بَوْلُ الْمَرْأَةِ كَدَمِ فَصْدِهَا فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ أَوْ لَا، وَيُفَرَّقُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِمَّنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ فَإِنَّ الْبَوْلَ لَا يُعَدُّ جُزْءًا بِخِلَافِ الدَّمِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِمَا عَلَّلَ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَرَدَ) أَيْ تَحْسِينُ ابْنِ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَحِلُّ بِشَهْوَةٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْوَةَ فِيمَا مَرَّ حَتَّى يَأْخُذَ هَذَا مُحْتَرَزَهُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَبِحَالِ الْحَيَاةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ كَالْمَحْرَمِ انْتَهَتْ. فَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا عَدَلَ عَنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ مُقْتَضَاهَا فَلْيُرَاجَعْ مُعْتَمَدُهُ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُحْتَرَزَهُ.