للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَلَوْ قُدِّمَ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْتهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُنَا وَلِيٌّ وَالْوَلِيُّ الْحَاضِرُ لَوْ زَوَّجَ فَقَدِمَ آخَرُ غَائِبٌ وَقَالَ كُنْت زَوَّجْت لَمْ يُقْبَلْ بِدُونِ بَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَكِيلُ الْغَائِبِ، وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ فَقَدِمَ مُوَكِّلُهُ وَقَالَ كُنْت بِعْت مَثَلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (وَدُونَهُمَا) أَيْ الْمَرْحَلَتَيْنِ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ (لَا يُزَوِّجُ) السُّلْطَانُ (إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُقِيمِ بِالْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ لِنَحْوِ خَوْفٍ زَوَّجَ الْحَاكِمُ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي يُزَوِّجُ لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ وَتُصَدَّقُ فِي غَيْبَةِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ بَيِّنَةٍ مِنْهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَتَحْلِيفُهَا، فَإِنْ أَلَحَّتْ فِي الطَّلَبِ وَرَأَى الْقَاضِي التَّأْخِيرَ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْأَنْكِحَةِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لِلْغَائِبِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا فِي الْغَيْبَةِ، وَالْأَوْجَهُ فِي هَذِهِ الْيَمِينُ وَشَبَهُهَا الْوُجُوبُ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْأَنْوَارِ اسْتِحْبَابَهَا، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ مَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ مُعَيَّنٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ فِي صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهَا دُونَ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إثْبَاتُهَا لِفِرَاقِهَا سَوَاءٌ أَحْضَرَ أَمْ غَابَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ قَبُولَ قَوْلِهَا فِي الْمُعَيَّنِ أَيْضًا حَتَّى عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِقَوْلِ أَرْبَابِهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْأَمَةَ مِنْ فُلَانٍ وَأَرَادَ بَيْعَهَا جَازَ شِرَاؤُهَا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شِرَاؤُهُ لَهَا مِمَّنْ عَيَّنَهُ لَكِنَّ الْجَوَابَ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ

وَلَوْ عُدِمَ السُّلْطَانُ لَزِمَ أَهْلَ الشَّوْكَةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ نَصْبُ قَاضٍ وَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ الْمُلْجِئَةِ لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ الْإِمَامُ فِي الْغِيَاثِيِّ فِيمَا إذَا فُقِدَتْ شَوْكَةُ سُلْطَانِ الْإِسْلَامِ، أَوْ نُوَّابِهِ فِي بَلَدٍ، أَوْ قُطْرٍ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْخَطَّابِيُّ بِقَضِيَّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَخْذِهِ الرَّايَةَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ لَمَّا أُصِيبَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ فَابْنُ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قَالَ: وَإِنَّمَا تَصَدَّى خَالِدٌ لِلْإِمَارَةِ لِأَنَّهُ خَافَ ضَيَاعَ الْأَمْرِ فَرَضِيَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَافَقَ الْحَقَّ وَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الضَّرُورَاتِ إذَا وَقَعَتْ فِي قِيَامِ الدِّينِ.

(وَلِلْمُجْبِرِ) لِمُوَلِّيَتِهِ (التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا) كَمَا لَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، نَعَمْ يُنْدَبُ لِلْوَكِيلِ اسْتِئْذَانُهَا وَيَكْفِي سُكُوتُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ) لِلْوَكِيلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ وُفُورَ شَفَقَتِهِ تَدْعُوهُ أَنْ لَا يُوَكِّلَ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِهِ وَبِنَظَرِهِ وَاخْتِبَارِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ اشْتِرَاطُ تَعْيِينِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

سَبَبٍ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ حَيْثُ اكْتَفَى فِيهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ عَقْدَ الْحَاكِمِ وَقَعَ هُنَا فِي زَمَنِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِتَحَقُّقِ غَيْبَتِهِ، بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فِي مَكَان قَرِيبٍ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ، (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ خَوْفٍ) مِنْهُ الْمَشَقَّةُ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً (قَوْلُهُ: وَتُصَدَّقُ) أَيْ بِيَمِينِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَقَوْلُهُ فَتَحْلِيفُهَا أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: لَمْ يُزَوِّجْهَا فِي الْغَيْبَةِ) وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لِفِرَاقِهَا) عِبَارَةُ حَجّ: لِفِرَاقِهِ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ لَهُ) أَيْ قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ: وَلِلْمُجْبِرِ لِمُوَلِّيَتِهِ التَّوْكِيلُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ نَهَتْهُ عَنْهُ وَقَدْ يُفْهِمُهُ تَخْصِيصُهُ الْفَسَادَ فِيمَا لَوْ نَهَتْهُ الْآتِي عَنْ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ الْمُجْبِرِ (قَوْلُهُ يُنْدَبُ لِلْوَكِيلِ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ حَيْثُ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ بِغَيْرِ إذْنِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وُفُورَ شَفَقَتِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: وَاخْتِبَارِهِ) عَطْفُ مُغَايِرٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لِلْأَبْعَدِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْوَلِيُّ (قَوْلُهُ: وَخُلُوُّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ) هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَتَحْلِيفُهَا) هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ وَتُصَدَّقُ فِي غَيْبَةِ وَلِيِّهَا، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَصْدِيقَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَمِينِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِي تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا مِنْ الْإِيهَامِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا إلَخْ) الْقِيَاسُ فِي هَذَا تَحْلِيفُهَا عَلَى نَفْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>