للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ غَالِبًا بَلْ أَكْثَرُهُنَّ بَعْدَ تَرْكِهِ رُعُونَةً وَحُمْقًا وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَتَزْوِيجُهُ يُغَرِّمُهُ إيَّاهُمَا بِنَاءً عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وُجُودُ الْحَاجَةِ كَافٍ فِيهِمَا إذْ الْمَنَاطُ فِي كُلِّ الْحَاجَةِ لَا غَيْرَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فَإِنَّهُمَا قَيَّدَا فِيهِمَا بِالْحَاجَةِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِهِ فِيهِ ظُهُورُهَا بِخِلَافِهِ فِيهَا لِلْحَيَاءِ الَّذِي جُبِلْنَ عَلَيْهِ، فَمِنْ ثُمَّ ذَكَرَ الظُّهُورَ فِيهِ دُونَهَا، وَقَدْ عَبَّرَ الشَّيْخُ فِي مَنْهَجِهِ بِمَا يُفِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبُلُوغَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمَجْنُونَ بِالْبُلُوغِ لِدَلَالَةِ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِبَاكِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ، وَهُوَ أَنْ يَحْذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَثْبَتَ آخِرًا وَعَكْسُهُ، فَحَذَفَ ظُهُورَ الْحَاجَةِ فِي الْمَجْنُونَةِ وَأَثْبَتَ الْبُلُوغَ فِيهَا، وَحَذَفَ فِي الْمَجْنُونِ الْبُلُوغَ وَذَكَرَ فِيهِ الْحَاجَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٣] أَيْ مُؤْمِنَةٌ {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: ١٣] أَيْ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ وَجَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ لَهُ وَهَذَا فِي لُزُومِهِ، أَمَّا إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا وَتَسْتَمِرُّ إفَاقَتُهُمَا إلَى تَمَامِ الْعَقْدِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْبِكْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْبِرِ (لَا صَغِيرَةُ وَصَغِيرٌ) فَلَا يَلْزَمُ تَزْوِيجُهُمَا وَلَوْ مَجْنُونَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ ظَهَرَتْ الْغِبْطَةُ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ حَالًا مَعَ مَا فِي النِّكَاحِ مِنْ الْأَخْطَارِ، أَوْ الْمُؤَنِ، وَبِهِ فَارَقَ وُجُوبَ بَيْعِ مَالِهِ عِنْدَ الْغِبْطَةِ (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ (وَغَيْرَهُ إنْ تَعَيَّنَ) كَأَخٍ وَاحِدٍ، أَوْ عَمٍّ (إجَابَةُ) بَالِغَةٍ (مُلْتَمِسَةٍ التَّزْوِيجَ) دَعَتْ إلَى كُفْءٍ تَحْصِينًا لَهَا وَحُصُولُ الْغَرَضِ بِتَزْوِيجِ السُّلْطَانِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَهَتْكًا، عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَمْنَعُ التَّعْيِينَ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ (فَإِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الدَّالِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ كَافٍ فِيهِمَا) أَيْ الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ (قَوْلُهُ لِلْحَيَاءِ الَّذِي جُبِلْنَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ فَرُبَّمَا اسْتَدَامَتْ الْحَالَةُ الَّتِي أَلِفَتْهَا قَبْلَ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يُقَالُ هِيَ بَعْدَ الْجُنُونِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا حَتَّى تَجْتَنِبَ مَا يُسْتَحَى مِنْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُزَوَّجَا حَتَّى يُفِيقَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَا يُزَوَّجَانِ مَا دَامَا مَجْنُونَيْنِ وَإِنْ أَضَرَّهُمَا التَّعَزُّبُ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّضَرُّرِ وَعَدَمِهِ اهـ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ هُنَا الْعَقْدُ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ بَعِيدٌ إنْ عُهِدَتْ نُدْرَتُهَا وَتَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَنْبَغِي انْتِظَارُهَا حِينَئِذٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي أَقْرَبِ نُدْرَةِ إفَاقَتِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ غَلَبَتْ الْإِفَاقَةُ وَتَضَرَّرَا فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُمَا (قَوْلُهُ: أَنَّ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ تَزْوِيجُهُمَا) أَيْ بَلْ لَا يَجُوزُ فِي الْمَجْنُونِ الصَّغِيرِ وَيَجُوزُ فِي الْمَجْنُونَةِ إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ وَكَانَ الْمُزَوِّجُ الْأَبَ، أَوْ الْجَدَّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِمَا فِي النِّكَاحِ مِنْ الْأَخْطَارِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ شَاءَتْ) أَيْ إرَادَتُهُ فَسَأَلَتْهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

تَرَجَّيْتُهُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْحِكْمَةُ إلَخْ) صَدْرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ اكْتَفَى فِي الْمَجْنُونَةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا، وَاقْتَصَرَ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِلْزَامِهَا لِلْبُلُوغِ، بِخِلَافِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْأَطِبَّاءُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ بَالِغَةٌ مُحْتَاجَةٌ وَبَالِغٌ ظَاهِرُ الْحَاجَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ إلَخْ: أَيْ فَجَعْلُهُ الظُّهُورَ قَيْدًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ ظُهُورِهِ) أَيْ ظُهُورِ التَّوَقَانِ قَالَ الشِّهَابُ سم: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِهِ فِيهِ وُجُودُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: مَا أَثْبَتَ آخِرًا) أَيْ أَوْ أَثْبَتَ مُقَابِلَهُ بِدَلِيلِ الْآيَةِ (قَوْلُهُ: فَحَذْفُ ظُهُورِ الْحَاجَةِ إلَخْ) أَيْ وَالْحِكْمَةُ فِي حَذْفِ مَا حَذَفَ وَذِكْرِ مَا ذَكَرَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ مَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا قَالَ فَحَذْفُ ظُهُورُ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَقُلْ فَحَذْفُ الْحَاجَةِ إذْ الظُّهُورُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا مَرَّ مُجَارَاةً لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ حَالًا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَاجَةِ الْوَطْءِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْحَاجَةِ فِي الْمَجْنُونَةِ الِاحْتِيَاجَ لِلْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ وَفِي الْمَجْنُونِ تَوَقَّعَ الشِّفَاءَ وَالِاحْتِيَاجَ لِلْخِدْمَةِ عَلَى مَا مَرَّ فَهَلَّا لَزِمَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُ التَّعْيِينَ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا أَفْرَدَ لِلْخِلَافِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>